
أ.د. رضا عوض
خديجة بنت خويلد
هى أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد ولدت بمكة سنة 68 ق.هـ، من أعرق بيوت قريش نسباً، وحَسَباً، وشرفاً. أبوها خويلد بن أسد، كان سيدًا من سادات قريش، يروى أنه وقف وواجه آخر التبابعة ملوك اليمن، وحال بينه وبين أخذه للحجر الأسود،كما كان ضمن الوفد الذى أرسلته قريش إلى اليمن لتهنئة سيف بن ذى يزن عندما انتصر على الأحباش وطردهم من اليمن بعد عام الفيل بسنتين. يلتقى نسبها بنسب النبى فى الجد الخامس، فهى أقرب أمهات المؤمنين إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وهى أول امرأة تزوَّجها، وأم كل أبنائه ما عدا ولده إبراهيم، وأول من أسلم من خلق الله، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والسيدة خديجة يومئذ بنت أربعين سنة. وتزوجها رسول الله قبل الوحى، وعاشت معه خمسًا وعشرين سنة؛ وظلا معًا إلى أن توفاها الله وهى فى الخامسة والستين، وكان عمره فى الخمسين، ولم يتزوج عليها غيرها طوال حياتها، وكان له منها القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبدالله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وكانت توفر للنبى مُؤونته فى خلوته عندما كان يَعتَكف ويَتعَبد فى غار حراء وحين نزل الوحى على رسول الله فى غار حراء {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} [العلق: 1]، رجع ترجف بوادره وضلوعه، حتى دخل على السيدة خديجة فقال: «زملونى زملوني». فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقالت: «كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق».
كانت خديجة أول من صدقته فيما حَدّث ثم انطلقت به حتى أتت به ورقة بن نوفل -وهو ابن عمها فأخبره النبى خبر ما رأى، فأعلمه ورقة أن هذا هو الناموس الذى أُنزل على موسى، وبَشَّره بأنه نبى الأُمّة، فكانت أول من آمن بالنبى من الرجال والنساء، وأول من توضأ وصلّى، وظلت بعد ذلك صابرة مُصابرة مع الرسول فى تكذيب قريش وبطشها بالمسلمين، حتى وقع حصار قريش على بنى هاشم وعانت ما عاناه بنو هاشم من جوع ومرض مدة ثلاث سنين، وانتقلت مع رسول الله من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار، ولهذا لُقّبت بنصير رسول الله.. والرسول يعلن فى أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة .لم تكن خديجة تهتم بتربية أولادها فقط بل كانت تهتم بتربية بعض الصحابة فى طفولتهم، فعندما توفى ابنها القاسم، طلب الرسول من عمه أبو طالب أن يعطيه عليًا ليربيه، وقامت خديجة برعايته أتم رعاية، وعندما مات العوام بن خويلد خلّف وراءه الزبير وهو ابن سنتين، فقررت خديجة أن تكفله وترعاه، فنشأ الزبير بين بيت عمّته خديجة وبين بيت أمه صفية بنت عبدالمطلب عمّة الرسول، وكذلك زيد بن حارثة كان عبدا اعتقه رسول الله وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه، فكان بمثابة الابن من خديجة، ورعته خير رعاية، وكانت لهذه التربية الصالحة الأثر العظيم فى اتباع هؤلاء الأشخاص لنور الإسلام، فـ«على» أول من أسلم من الصبيان، و«الزبير» من أوائل من دخل فى الإسلام. وزيد بن حارثة ثانى من أسلم من الرجال بعد على. توفيت السيدة خديجة وكان ذلك قبل هجرة الرسول إلى المدينة المنورة بثلاث سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، ودفنها الرسول بالحجون (مقبرة المعلاة).
وتشاء الأقدار أن يتزامن وقت وفاتها والعام الذى تُوفِّى فيه أبوطالب عم رسول الله، الذى كان أيضًا يدافع عنه ويحميه بجانب السيدة خديجة رضى الله عنها؛ ومن ثَمَّ فقد حزن الرسول ذلك العام حزنًا شديدًا حتى سُمى «عام الحزن»، ومكث فترة بعدها بلا زواج؛ وبعد وفاتها؛ قال «إنى قد رزقت حبها». بل إنه لم يكد ينساها طيلة حياته، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها؛ ويصل صديقاتها. وكان حبّه لها ظاهراً للعيان، ونموذجاً للعلاقات الأُسريّة الخاصة.