السبت 20 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الأيام الصعبة القادمة
كتب

الأيام الصعبة القادمة




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 09 - 09 - 2009


الحكومة لن تستطيع وحدها مواجهة الوباء


1


الأيام القادمة صعبة، لأن الخطر مازال مجهولاً، ولا يعرف أحد علي وجه الدقة حجمه وأبعاده، خصوصًا أن الوباء لم يكشف حتي الآن عن أسراره، وهل سيكون شرسًا وعنيفًا أم رحيمًا بالعباد؟
صعبة.. لأن البعض مازال يمسك العصا من المنتصف حتي الآن، خصوصًا رجال الدين الذين أحجموا عن بيان الحكم الشرعي في مثل هذه الأحوال وألقوا بالكرة في ملعب وزير الصحة والأطباء.
صعبة.. لأن العائدين من عمرة رمضان هم "بروفة" حية للعودة من الحج، بفيروسات علي كل شكل ولون، آسيوي وأفريقي ولاتيني وموزمبيقي، ويقود أوركسترا الفيروسات "المايسترو خنزير".
2
صعبة.. لأن "حالة الرخامة" يمكن أن تزيد من انتشار الوباء.. والرخامة معناها التكاسل والبطء والتراخي وعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية بسرعة وحسم.
"الرخامة" طبع أصيل في كثير من الناس.. وتتحور مثل الفيروس في عبارات شهيرة مثل "يا عم خليها علي الله".. "يا سيدي الأعمار بيد الله".. "ربنا يستر".
نعم.. نِعم بالله ونحن نضع حمولنا عليه والأعمار بيده سبحانه وتعالي، ولكن يجب أن نكون مثل الشعوب الأخري التي تعبد الله.. ولكن عندها "نحررة" التي هي عكس "رخامة".
3
تصوروا معي السيناريو.. ماذا يحدث إذا انتشر الوباء لا قدر الله في إحدي المدارس بقرية مصرية، ثم تكاسل المدرس والناظر والعمدة عن التحرك بسرعة؟.. الإجابة: ستصاب القرية كلها بالوباء.
المسئولون لا ذنب لهم، إذا لم يتم تعليمهم وتدريبهم وتثقيفهم عن كيفية مواجهة الأزمة وإدارتها.. لأن المواجهة هذه المرة يجب أن تكون مجتمعية وليس علي صعيد الدولة ولا الحكومة ولا وزير الصحة فقط.
مواجهة مجتمعية بمعني أن يتحرك المجتمع كله، الأب والأم في بيتهما والمدير في عمله والناظر في مدرسته، ومأمور القسم والعمدة وشيخ البلد حتي السيد الأستاذ الدكتور المحافظ الوزير، فهو الأهم.
4
يجب أن تكون المسئوليات محددة، وأن يعرف كل واحد دوره، وأين يذهب وماذا يفعل إذا حل الوباء.. وأن تكون لدي الجميع الجرأة والسرعة والشجاعة.. لا أن يتفرج الناس علي بعضهم.
أعرف أن وزير الصحة يؤذن في بعض الأحيان في مالطة وهو يواجه جهازًا طبيا يتمثل في المستشفيات الحكومية، مصابًا بالفساد والعطب والخلل، وفيه نوعيات من الأطباء والممرضين والممرضات يستحقون الرمي في النيل.
وأعرف أننا في بعض الأحيان نعذب أنفسنا بأنفسنا، وأن الله سبحانه وتعالي يسلط أبدانًا علي أبدان، وخلق فينا بشرًا جُبلوا علي تعطيل مصالح العباد والعمل علي شقائهم.
5
نعم.. توجد أمراض اجتماعية خطيرة هي أخطر من الأمراض العضوية، أمراض متغلغلة في أعماق بعض الناس، وهي التي تسبب كثيرًا من المشاكل، ولكن ما باليد حيلة.. فهذه هي أحوالنا.
يجب أن نشحذ في الناس غريزة الحياة وحب البقاء حتي يحافظوا علي أنفسهم وعلي أولادهم وأقاربهم.. وأن تكون أنفلونزا الخنازير هي الهم الأكبر الذي يؤرقهم ويسلب النوم من عيونهم.
يجب أن يلعب الإعلام دوره الخطير في هذا الصدد، حتي لو وصل الأمر إلي التهويل وإثارة الخوف.. الخوف الإيجابي الذي يوقظ الناس ويستدعي جهودهم، ولا يستثمر الأزمة لصالحه.
6
الدولة لن تستطيع وحدها أن تواجه أنفلونزا الخنازير، ولكن إذا اتحدت جهود الناس معها، فسوف تكون المواجهة أكثر فعالية وتأثيرًا ولن يقف كل طرف في جانب وكأن المشكلة ليست مشكلته.
الدولة هي القائد والمايسترو الذي ينظم حركة المجتمع ويجب أن تضرب القدوة والمثل للناس حتي يلتفوا حولها ويعملوا إلي جانبها ويسمعوا كلامها.
إدارة الأزمة علي المستوي الحكومي يجب أن تكون بأسلوب الفرقة الموسيقية التي تعزف لحنًا واحدًا، بدون نشاز، ولا يجب أبدًا أن نسمع محافظًا يتشاجر مع وزير أو طبيبًا ينتقد مسئولاً آخر.
7
الكرة الآن في ملعب الحكومة.. وبعد الاجتماع الوزاري الذي عقده الرئيس مبارك، أصبحت المسائل محددة دون تداخل أو تضارب، والتكليف الرئاسي هو أن يقود رئيس الوزراء إدارة الأزمة بنفسه.
الإجراءات يجب أن تكون سريعة ولا تتأخر دقيقة واحدة.. ابتداء من تأجيل الدراسة حتي إلغاء موسم الحج إذا كان هناك ما يبرر ذلك، وأن يصدر القرار دون تردد أو خوف أو ابتزاز.
الأيام القادمة صعبة.. ولكن البشائر تؤكد أن مواجهتها ستكون بأسلوب مختلف، ومطلوب استنهاض روح الناس التي نلجأ إليها في أوقات الحروب والأزمات.


E-Mail : [email protected]