الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دعاء فتوح: الشـِعر يعيد بناء العالم من جديد

دعاء فتوح: الشـِعر يعيد بناء العالم من جديد
دعاء فتوح: الشـِعر يعيد بناء العالم من جديد




حوار - إسلام أنور


دعاء فتوح صحفية وشاعرة، تكتب قصيدة الفصحى والعامية المصرية، وتمتلك معجمًا لغويًا متنوعًا، وتشتبك فى قصائدها مع العديد من الأسئلة والقضايا عن الفرد، والمجتمع، والحياة، والموت، وتسلط الضوء على التفاصيل الصغيرة فى حياتنا، التى تتجمع دون أن نلحظ، وتصبح فاعلاً رئيسياً فى رؤيتنا لذاتنا وللعالم.
حصلت دعاء على عدة جوائز أدبية، من ضمنها الفوز بالمركز الثانى فى مسابقة المجلس الأعلى للثقافة لعام 2016 / 2017 عن ديوانها «ضَعْ يدكَ مرةً أخيرةً واكتشفْ» وهو تحت الطبع حاليا.. عن رحلتها مع الشعر والصحافة كان حوارنا معها فإلى نصه.
■ بنية الديوان قائمة على التساؤل والبحث وفتح حوار ممتد مع القارئ إلى أى مدى تتعاملين مع القارئ باعتباره شريكًا فى النص؟
- إلى أبعد مدى يمكننى الوصول إليه كإنسان يؤثر ويتأثر بنفس المعطيات المحيطة به وبالقارئ. فالنص الجيد قادر على التحول إلى قطرة ماء تمتزج بوعى أو لا وعى قارئيه ومهما مر الوقت يظل جزءاً من تجربته كإنسان، أما النص الردىء فحصاة تسقط من القارئ فور قراءته. ففى رأيى لا فائدة من نص لا يملك القدرة على النمو، وأداة نمو النص هى وعى ولا وعى القارئ.
■ الحواس حاضرة بقوة فى قصائد الديوان إلى أى مدى تتعاملين مع القصيدة بوصفها كائنًا حيًا؟
حواسى ككاتب هى جزء من أدوات ما أكتب. والشعر تخيل يعيد تشكيل العالم من حولنا. يكسب ثقل المعاناة والآلام والقبح الإنسانى لمسة خفة وجمال. القصيدة كائن حى شفاف يغلف وجه «ميدوسا» فنتمكن من رؤيته، وفى نفس الوقت لا نتحول إلى حجر.
■ فى قصيدة «صلصال لين» هناك حالة من تشيؤ الإنسان بينما فى قصائد أخرى هناك محاولة عكسية لأنسنة الأشياء إلى أى مدى تمنحك هذه الحالة مساحة لرؤية الأشياء خارج إطارها المعتاد؟
- كما قلت لك الشعر تخيل يعيد تشكيل العالم، فلا يوجد قواعد ثابتة هنا كل شيء فى حيز الخيال قابل للفعل وللتصديق، وحقيقى تماما مادام تخطى مرحلة الشعور إلى الإحساس به.
■ الطفولة وذكرياتها حاضرة بقوة فى كثير من قصائد الديوان برأيك إلى أى مدى نحن أسرى طفولتنا؟
بالنسبة لى الطفولة ليست أسرى، فأنا: «أحبُ الخفةَ/ ولكنى لا أجيدُ صيدَها/ منشاةٌ/ كمعطفِ ضابطِ جيشٍ/ يقفُ على رأسِ كتيبةٍ من الخوفِ».
هذا ما تشعرنى به مسئولياتى اليومية كشخص كبير. لهذا أكتب تقريبا كل يوم لأعود: «طفلةٌ فى السيركِ/ أجلسُ على ساقِ المتعةِ/ جانبَ شاحنةٍ عملاقةٍ من الأحلامِ الرطبةِ/ تضحكُ، وأنا فى عينيها أتأرجحُ/كما تتأرجحُ الفيلةُ الضخمةُ على المسرحِ الكبيرِ/ وهى تصفقُ» لأستعيد ببساطة: «شغفيَ بالمهرجِ، بساقِ فتاةِ الاستعراضِ النحيلةِ، وهى تعانقُ خيالَ دبٍ راقصٍ».
■ فى قصائدك هناك احتفاء بالتفاصيل الصغيرة للحياة برأيك إلى أى مدى جعلت قصيدة النثر من الشعر ممارسة حياتية يومية؟
- بالنسبة لى الشعر ليس هدفا بحد ذاته هو وسيلة للتعبير عما أفكر وأحلم به بشكل واقعى مهما غلفته الصورة والخيال. وقصيدة النثر هى ابنة هذا الواقع المغموس حتى أنفه بالعادى واليومي، هى ابنة متمردة ليوم تنظر إليه الأيام السابقة عليه بتعالٍ. فالأيام السابقة علينا تعتقد فى نفسها أنها خلاصة التقدم والإنسانية والأخلاق والإبداع واليوم الحاضر ما هو إلا تحصيل حاصل ليشهد على براعة وورع ما سبق من الصفوة الإبداعية والإنسانية. ومن ناحية أخرى هى ابنة الكثرة والتكرار والملل، فوسائل التواصل الاجتماعى جعلت من كل منّا مشروع كاتب، وهناك سيل من الكتابًات الجديدة التى تبدو متشابهة فى بعض الأحيان، إلا أن المختلف والمتنوع منها ثرى وحر ومربك ومعقد بقدر ثراء اللحظة وتعقيدها.
■ هناك حضور بارز لحيوانات مهمشة مثل السحالى والسلاحف تمنحينها دور البطولة فى قصائدك ما سر هذا الشغف؟
- السلاحف تحديدا صديقتى التى تربيت معها وهى معلمة فريدة من نوعها. فهى كائن خفيف يحمل ثقل العالم فوق ظهره ومع هذا يحمله بصبر وشجاعة. فالسلحفاة مثابرة ولا تتراجع أبدا عن أهدافها، طوال حياتى أحاول تعلم الصبر منها فأنا ملولة وأسير ببطء فى كثير من الأحيان مثلها، إلا أننى أحاول تجنب الاصطدام بالحائط والإصرار على الاصطدام به مثلها، هنا يمكننى الاستعانة بليونة السحالى وقدرتها على التكيف مع ذلك.
لا يوجد كتالوج وبحسب حياة كل منا وقدراته هناك سبيل مناسب ينتظر اكتشافه ليحقق كل منا أحلامه، ويثبت أنه بصمة خاصة لا تشبه غيرها من البصمات.
■ الأمومة تجربة مهمة وفارقة فى حياة المرأة كيف تتعاملين معها على المستوى الشخصى والإبداعي؟
- على المستوى الشخصى أتعامل مع الأمومة كتلميذ خائب، وابنتى أستاذ قاسٍ جدا فى تعليمي، أما على المستوى الإبداعى فالزواج والأمومة عالم رحب من مشاعر مختلطة، استطاعت إخراجى من دائرة بحث بدائى عن حبيب ما، لدوائر بحث أعمق عن اللهو.. العالم.. ونفسى والجدوى منها.
■ سؤال اللغة أحد الأسئلة المهمة التى تشغل المبدع كيف تتعاملين مع السؤال خاصة أن ديوانك الأول «فركة كعب»، والثانى «الناس إنصاص» كانا بالعامية المصرية أما ديوانك الجديد «ضع يدك مرة أخيرة وأكتشف» بالفصحى؟
- اللغة أداة أولى لأى كاتب لتوصيل ما يريد قوله لمن يريد بأفضل طريقة ممكنة. وبالنسبة لى تنمو لغتى بنمو وعى الشخصى وتتنوع وتتغير وفق قدرتى على معرفة (ما) أريد قوله ومعرفة (من) أوجه حديثى له.
ولكل من اللغة العربية الفصحى واللغة المصرية العامية قواميس متنوعة وثرية بثراء الإنسانية وتنوع وعى أفرادها. وكلما بحثت وتعلمت وجربت اكتشفت وتعرفت بصدق على حقيقة (ما أريد قوله)، فتختلف اللغة والقاموس والقالب فطريا ودون افتعال وفق طبيعة «من أحدثه».
■ تكتبين القصة والشعر وهناك مشروع لرواية قادمة ما سر هذا الشغف بتجريب أنواع متعددة من الكتابة الأدبية وهل يمكن أن تكتبى للمسرح أيضًا؟
أشغف بالتجريب لا إراديا، الأمر ببساطة أننى فى أوقات أنشغل بالتعرف على نفسى وعلى ردود أفعالها التى تصدمنى وتدهشنى فى بعض الأحيان، وهذه الحالة من التفاعل مع نفسى وخيباتها وأحلامها لا تخرج لا إراديا إلا على شكل دفقات شعورية مكثفة وهى ما تتشكل إلى قصائد.
أما لحظة استيعابى لردود أفعال نفسى وأتواصل معها بشكل جيد أنتقل إلى التواصل مع العالم، لأعرف ما أحب وما أكره وما أفهم وما لا أفهم...، لا إراديا يكون السرد والنقاش والحوار ما بين نفسى ومفردات هذا العالم التى تتجسد فى شخوص وحكايات وعوالم هى ما تتشكل إلى قصص ومقالات رأى أو قراءات متعددة لكتب أو أفكار.
أما كتابة الرواية اعترف أنها تمرين جديد لأدواتى فإن استطعت كتابتها ربما أفكر فى كتابة المسرح والسيناريو فلم لا.
■ بجانب كتابتك الأدبية تعملين بمجال الصحافة إلى أى مدى كانت الصحافة بوابة لدخول عالم الكتابة الأدبية وما الذى منحك إياه كل منهما؟
- كتابة الشعر كانت بوابة دخولى للكتابة الصحفية وليس العكس. فدراستى الجامعية هى «التجارة». ولأننا فى مجتمع لا تعد الكتابة الأدبية فيه مهنة تعين على الحياة، فكانت الكتابة الصحفية هى الأقرب لتأمين حياة مادية معقولة تعيننى على الاستمرار فى الكتابة الأدبية، العمل الصحفى منحنى الانضباط الذى تفتقده روح المبدعة، والكتابة الإبداعية منحت الصحافة لغة مرنة لا تميل إلى التقرير.
■ فاز ديوانك «ضع يدك مرة أخيرة وأكتشف» بالمركز الثانى فى مسابقة المجلس الأعلى للثقافة وديوانك «الناس أنصاص» حصل على جائزة ضمن المراكز العشرة الأولى فى مسابقة أحمد فؤاد نجم.. ما الذى تمثله لك الجوائز الأدبية؟
- الجوائز الأدبية داعم مادى ومعنوى يعيد اكتشاف العمل الأدبى بتسليط الضوء عليه، ويخفف أعبائى المادية لاستمر فينشر ما أكتب.