الروائية منى الشيمى: الكتابة استحضار للذاكرة ونشأتى فى الصعيد قربتنى من همومه
إسلام أنور
حوار - إسلام أنور
فى روايتها «بحجم حبة عنب» تتكئ الكاتبة منى الشيمى على الكثير من الجراح، وتطرح العديد من الأسئلة عن ماهية الذاكرة والترحال والسلطة والحب والرغبة والألم والمرض.
الرواية الصادرة عن دار «الحضارة للنشر»، تمزج بين السيرة والخيال.. الفرد والمجتمع.. الموت والحياة، عبر لغة ممتعة تجمع بين جزالة الشعر ودقة السرد.. حيوات متعددة وتجارب مختلفة تعيشها شخصيات الرواية فى ترحالها ما بين الصعيد والغردقة والقاهرة، بحثًاً عن حياة أقل قسوة وأكثر براحًا.
عن رواية «بحجم حبة عنب» والأسئلة العديدة التى تطرحها دار مع الكاتبة منى الشيمى هذا الحوار.
■ الزمن والذاكرة حاضران بقوة فى رواية «بحجم حبة عنب» برأيك إلى أى مدى نحن أسرى لذاكرتنا وكيف تتأملين سؤال الزمن؟
- الحاضر والمستقبل هما الأمل، الماضى هو الذاكرة، ذاكرة الشخص جزء من الذاكرة الجماعية، التى تظل موجودة، ربما ليس داخل «الدماغ» بل تظل تتردد كأصداء فى الكون، وتلتقطها موجاتنا إذا كنا ننمى ملكة التواصل، فى الأحوال العادية، وعلى المستوى الفردي، ثمة أحداث جديدة تستفز القديمة فتستحضرها، الكتابة فى أحد وجوهها استحضار للذاكرة، ليس مهما الأحداث التى تخصنا، بل المعارف والخبرات، أظنّ أن كل منا لديه ذاكرة ترجع لملايين السنين، أنا مؤمنة بوحدة الكون وبالتالى وحدة الوعى الجمعي، إذا لم تكن حقيقة فهى قناعاتي.
■ المرض والموت تجربتان فارقتان فى حياة كل إنسان كيف تنظرين إليهما؟
- لا تترك تجربة موت الأحبة الإنسان كما كان، يتصدع كما لو كان زجاجا، ويكمل بهذه الشروخ، ربما ستثرى التجربة الكاتب، ستتعمق رؤاه عن الحياة نفسها، وسيعرف معنى الغياب، سيكتب بصدق متناه عن الألم، لكن الخسارة فادحة.
■ التقنيات السينمائية من قطع وفلاش باك ومشهدية حاضرة بقوة فى روايتك كيف ترين علاقة فنون السرد بالفنون البصرية؟
- الأدب من وضع التقنيات السينمائية، الوصف هو تحرك الكاميرا، السرد هو الحدث المتدفق، «الحوار/الاستباق/ الاسترجاع!» على الجانب الآخر، الأدب يفتق الخيال أكثر، للروائى العراقى حميد العقابى المقيم فى الدنمارك رأى حيث يقول: «أرى أن القصيدة تفقد من قيمتها الفنية، حينما تتحول إلى أغنية لـ«نزار قباني» مثالاً أو تتحول إلى شعار سياسي، كذلك الأمر مع الرواية حينما تتحول إلى فيلم، ليس لأنها تنحاز إلى شعبوية تفقدها نخبويتها وإنما لأنها تفقد أهم عنصر فى فنيتها وهو الحدث المتزامن فى نموّه مع السرد، حيث أرى أن الحدث وأسلوب السرد لا ينفصلان فى تصوير المشهد، ومهما بلغت قدرة الكاميرا أو براعة الممثل لا يمكن له أن ينقل المنولوجات الداخلية التى لا يمكن لرواية ناجحة أن تخلو منها، بعكس الاهتمام اللغوى فى نقل التفاصيل تتحول متعة القارئ إلى متابعة الحدث للوصول إلى النهاية كى يعرف مصير البطل، كالقبلة بين البطل والبطلة فى نهاية أفلام الخمسينيات، وبهذا يطبق القارئ الكتاب ويغفو.
■ ما معيار نجاح الرواية فى رأيك؟
- الرواية الناجحة «فى رأيي» تعتمد على تجربة الكاتب الحياتية المستمدة فى أغلب الأحيان من استنفار حواسه الخمس، ومن عيوب الرواية التى تجعل القارئ ينفر من قراءتها هى الحوارات المثقلة بالأفكار الذهنية، فلسفة الكاتب تظهر عبر سلوك شخصياته - كما هو الحال عند ديستوفسكي- وليس عبر الحوارات الفلسفية المباشرة، خلاصة رأيى هى أن الرواية كائن يرى ويسمع ويشم ويتذوق ويتلمس الأشياء، وعلى القارئ أن يستنتج أو يخمن ما يدور فى ذهن شخصيات الرواية.
■ الرواية بها حضور قوى للعديد من الحكايات الشعبية والأساطير مثل حكاية القمر والقملة.. برأيك إلى أى مدى مازال الموروث الشعبى يملك القدرة على الدهشة والحضور والبقاء والاستمرارية وما سر شغفك بالحكايات والتراث؟
الحكايات الشعبية جزء من وعى الكاتب، القصص بمثابة معادل موضوعى للرؤية، تقدمها بشكل أفضل وتساعد على إثراء الكتابة الروائية، وستجدها فى الأدب العالمى إن لم تكن بشكل مباشر فستكون ضمنية فى السياق.
■ الرواية أقرب للسير الذاتية.. كيف ترى علاقة الأدب بالتاريخ الشخصى أو العام؟ وما هى حدود الواقع والخيال فى كتابتك؟
- الرواية هى التاريخ الشخصى للأفراد العاديين، تبرز انعكاس الأوضاع السياسية على مناحى الحياة الأخرى، من الصعب الكتابة بمعزل عن رؤيتنا لما يدور حولنا، وهى الجنس الأدبى الأصلح لاعتقال خصائص الطبقات التاريخية المتعاقبة، حتى التقنيات المستخدمة فيها، كالسرد والحوار والمكان، كل منها يعبر عن طبيعة المرحلة بشكل لا يضاهيه جنس أدبى آخر، على الرغم من اختلاف الرؤى بين كاتب وأخر، ستجد سمات تربط كتاب كل مرحلة، حتى الخيال جزء لا يتجزأ منه، أما بخصوص روايتى «بحجم حبة عنب» فلم تبتعد كثيراً عما قلته سابقا، كل ما فعلته أن ألقيت الضوء على التاريخ الشخصى لمجموعة من الأشخاص، أما مسألة متى ينتهى الواقع ومتى يبدأ المتخيل هذه فمن الصعب تحديدها، القلم يشطح، والفكرة تتمدد وتطلب التحرر من قيدها، حتى الشخوص الروائية لا تقبل بسلطة الكاتب فى ذروة التدفق، لذا أنا مؤمنة بمقولة: «الرواية تاريخ متخيل داخل التاريخ الموضوعي» وستجد الكثيرين اختتموا أعمالهم بنهاية لم تكن تخطر على بالهم عند نقطة البدء.
■ تحدثت فى الرواية عن القيود المجتمعية التى تواجهك كامرأة فى مجتمع محافظ مثل الصعيد إلى أى مدى منحتك الكتابة مساحة للتحرر؟
- الكتابة بطبيعتها حرية لأبطال تخلقهم من حبر، تجعلهم يتبنون الأفكار التى تؤمن بها، وثمة أبطال يتبنون عكس ما تؤمن به أو ما هو مختلف عما تؤمن به، ما أقصده أن فعل الخلق نفسه يجعلك تغربل أفكارك، تتبلور وتنتقى ما يناسبك، مع الكتابة أنت لا تصنع شخصيات خيالية فقط، بل تصقل جوهرك وفكرك، قد يبدو العمل الإبداعى هو الثمرة الوحيدة للكتابة، لكن تخليك عن محيطك الاجتماعي، وحصره فى حيز ضيق، واحتساء نهرٍ من القهوة، وقضاء ساعات لتأمل الأفكار التى ستطرحها، وانتخاب الأحداث، كل هذا لن يخلفك كما كنت، بل سيعيد إنتاجك من جديد، وقد يصيبك الإدراك بتداعيات، أقلها أن تشعر بالاغتراب فى كون مُنح الحرية الكافية ليتطور ويتمدد ويفنى، وقام أفراده بوضع القيود والعراقيل التى تكبل هذه الحرية!.
مؤخرًا، مجتمعاتنا فى الصعيد ووجه بحرى لا تفرض قيودًا على المرأة فقط، بل تفرض القيود على الكتابة بوجه عام، صار لدينا «التابوه المقدس»، لا مساس بالدين أو الجنس أو السياسة، الاقتراب يجب أن يكون حذراً، حتى حيل الكتاب القديمة لم تعد تجدي، اللجوء إلى الماضى واستلهامه لصياغة الفكرة يتهم، الاستعانة بعالم الحيوان، خلق عوالم موازية، لم تعد ثمة أجهزة رقابية مختصة فقط لتمنعك، التدرج نحو هاوية الوعى جعل من كل قارئ رقيبًا عليك، التواصل الإلكترونى سهل عليه مشقة البحث عنك لسبك وقذفك، أغلق باب الاجتهاد فى الدين، عليك أن تأخذ الأمور الفقهية التى حلل الله فيها التحديث كما هي، لا تمس ذات النظام ولا تنتقده، لا تقترب من الجنس لأن التحدث عنه فى رواية يصيب الأرواح الهشة بالإثارة، ويساعد على نشر الفاحشة!.
■ هل تشعرين بأنك ظٌلمت أدبيًا لأنك تقيمين خارج العاصمة القاهرة وكيف ترين ظاهرة الشللية فى الوسط الثقافى المصري؟
- لا أشعر بالظلم على الإطلاق، من مكانى أنجزت جزءًا لا بأس به من مشروعى الإبداعي، الخروج من دائرة الصراع جعلنى أنضج نفسى على مهل، بلا ضغائن، أو الشعور كما لو كنت على «تراك» سباق!، كما أن وجودى فى الصعيد جعلنى قريبة من همومه، لم أتحمل مشقة طيه فى داخلى واستدعائه من نقطة داخلية عند الكتابة، لم يكن على سوى الانخراط فى الزحام ووصف الواقع، إضافة إلى أن الابتعاد عن صخب المركز والأضواء ساعدانى على أن أكتب كثيرا، بخصوص الشللية، هى ظاهرة إنسانية طبيعية، مد التواصل لالتقاء الأرواح، ومجابهة اغتراب المبدعين عن الواقع، أو لوجود المشترك الذى يجعل من التواصل فعلاً إنسانياً جميلاً، يسمح بتبادل الخبرة وإثرائها، إلى هذه النقطة الشللية مقبولة، أما أن تتحول إلى تبادل منفعة وتعايش كما فى الحيوان، أن تنشر لى وأرسلك إلى مؤتمر، أو أن تنشر كتابة لأن صاحبها صديقك! فهذا فساد وليس شللية.
■ برأيك إلى أى مدى كسرت وسائل التواصل الاجتماعى والتكنولوجيا صعوبة التواصل وهيمنة المركزية الثقافية للعاصمة وإلى أى مدى تساهم الجوائز الأدبية فى منح الكاتب بطاقة تعارف لدى الجمهور؟
- لك أن تتخيل أنه منذ أقل من عشر سنوات كان المبدع كى يتواصل مع الجريدة أو دار النشر أن يقوم بكتابة عمله ثم يرسله عبر البريد، وإذا وصل إلى الجهة المقصودة ولم يضل طريقه، يعيدون كتابته مرة أخرى بكثير من الأخطاء، ثم يستدعون الكاتب بعد أشهر من العمل لمراجعته...إلخ، أما الآن، فبرسالة قصيرة يتم الاتفاق على النشر، وبعدة إجراءات أخرى يتم إرسال العمل المكتوب منسقًا...إلخ.
الأمر نفسه ينطبق على هيمنة المركزية لكن بشكل أقل، أما الجوائز الأدبية فقلبت حال الوسط الأدبى خاصة فى المجال الروائى رأسًا على عقب، وبات موسم التقديم وإعلان النتائج يتحكمان فى ما يطرح على الجمهور، الأول، يتم فيه تفضيل نشر الرواية على ما عداها من الأجناس الأخرى، لن تجد ناشرا يتحمس لنشر ديوان شعر أو مجموعة قصصية! قد يختلف الأمر بعد إطلاق مسابقة للقصة القصيرة فى الكويت! وفى الموسم الثاني، عند فوز اسم بعينه، خاصة فى الجائزة العربية للرواية البوكر، أو كتارا ، ستجد تهافت دور النشر الأخرى على المبدع للاتفاق معه على إصدار طبعات جديدة من روايته، وستجدها فى واجهات كل المكتبات تقريبا! خلاف ألتراس القراء الذى تشكل مؤخرا فى مصر من عدد كبير من الشباب، ولا يستند تقيمهم للعمل الإبداعى إلى معيار محدد، لكنه يساهم بشكل أو بآخر فى توجيه الباقين! ناهيك عن الجرائد التى تسلط الضوء على الرواية وتعيد طرح اسم الكاتب ويتم دعوته إلى المحافل الأدبية وغيرها!.
■ ما هو عملك المقبل؟
- عندى رواية لم أقرر بعد إنْ كنت سأنشرها أم سأطوى صفحتها وأنساها تمامًا.