
أ.د. رضا عوض
يوسف بن تاشفين
أمير المسلمين أبويعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتونى الصنهاجى، قائد وأمير مسلم وَحَّد المغرب وضم إمارة الأندلس تحت مُلكه وسلطته.. تولى رئاسة دولة المرابطين بعد أن تنازل له ابن عمه أبوبكر بن عمر اللمتونى واستطاع إنشاء إمبراطورية مغربية. ووصفه «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل» بقوله كان حليمًا كريمًا، دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين، ويحكّمهم فى بلاده، ويبالغ فى إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدُهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبُه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح.. كان يوسف أسمر اللون معتدل القامة، نحيف الجسم، رقيق الصوت، أكحل العينين أقنى الأنف، أجعد الشعر. من تعاليم ثورة الشيخ عبدالله بن ياسين أنه تأثر كثيرًا ولم يتعمق فى العلوم الدينية مؤسس جماعة المرابطين، ولم يكن ابن تاشفين أميرًا فى جيش المرابطين، بل كان قائدا عسكريا يعمل تحت إمرة ابن عمه الأمير أبوبكر بن عمر اللمتونى، وبعد ظهور نجم يوسف فى المعارك الحربية، قربه إليه الأمير أبوبكر وجعله نائبا له فى قيادة جماعة المرابطين. وأعطاه نصف الجيش ليقود يوسف المرابطين لنشر الدعوة فى شمال البلاد، بينما انطلق الامير أبو بكر بن عمر اللمتونى بالنصف الآخر لنشر الدعوة فى جنوب موريتانيا وشمال السنغال وأدغال إفريقيا فى سنة 453 هـ= 1061م . وانطلق يوسف بن تاشفين بجيشه إلى الشمال ليدعو الناس إلى الإسلام، ونجح فى هداية القبائل إلى الدين الإسلامى الصحيح بعد أن ادعى بعضهم النبوة، وبمرور الأيام بدأ الناس يتعلمون منه الإسلام ويدخلون فى جماعته المجاهدة، فأصبح أميرًا على: السنغال، وموريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وعلى رأس جيش يصل إلى مائة ألف فارس غير الرجالة، يرفعون راية واحدة، بعد رجوع الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتونى فى سنة 468 هـ= 1076 م وبعد خمس عشرة سنة من الدعوة فى جنوب السنغال وأدغال أفريقيا، ورأى أن يوسف بن تاشفين قد أقام هذه الدولة العظيمة ثم هو بعد ذلك يراه زاهدا متقشفًا ورعًا تقيًا، عالمًا بدينه طائعًا لربه، فقام الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتونى بالتنازل ليوسف بن تاشفين عن رئاسة دولة المرابطين، وعاد مرة أخرى إلى أدغال إفريقيا ليدعو إلى دين الله هناك، ويصبح يوسف بن تاشفين زعيم هذه الدولة العظيمة، ويسمى نفسه: أمير المسلمين وناصر الدين، وحين سُئِل لماذا لا تتسمى بأمير المؤمنين؟ أجاب: هذا شرف لا أدّعيه، هذا شرف يخصّ العباسيين وأنا رجلهم فى هذا المكان. كان العباسيون فى هذه الفترة لا يملكون سوى بغداد فقط، وكان يوسف بن تاشفين يريد للمسلمين أن يكونوا تحت راية واحدة، ولم يُرِد أن يشق عصا الخلافة، ولا أن ينقلب على خليفة المسلمين. فى هذا الوقت كانت دولة الاندلس فى حالة يرثى لها فبعد سقوط الدولة الأموية عام 1030م قسمت الدولة إلى 22 دويلة منفصلة على رأس كل دويلة ملك وسميت بالطوائف، وبدأ التنازع بصفة مستمرة بين بعضها البعض، ما جعلهم فريسة سهلة للأوروبيين، ووصل الأمر إلى أن ملوك الطوائف كانوا يدفعون الجزية للملك ألفونسو السادس، وكانوا يستعينون به على إخوانهم. فاستنجد بعض ملوك الطوائف بالأمير يوسف بن تاشفين لينقذهم من سطوة الفونسو السادس عليهم. فانطلق معهم بجيشه الذى بلغ عدده 30000 وتقابل مع الفونسو وجيشه الذى بلغ60000 عند مكان يعرف بالزلاقة وهزمه شر هزيمة، وأفنى جيشه عن آخره وأصيب الفونسو إصابة بالغة وعرفت هذه المعركة «بموقعة الزلاقة»، وتعتبر من أقوى المعارك الجربيه فى التاريخ. بعد عودة يوسف بن تاشفين إلى أرض المغرب، حدثت الصراعات بين أمراء الأندلس بسبب الغنائم وتقسيم البلاد المحرّرة، وهنا ضج علماء الأندلس وذهبوا يستنجدون بيوسف بن تاشفين من جديد، لإنقاذهم من أمرائهم، فقام فى سنة 483 هـ= 1090 م وبعد مرور أربعة أعوام على موقعة الزَلَّاقة، وجهّز نفسه ودخل الأندلس. واستطاع يوسف بن تاشفين أن يضمّ كل بلاد الأندلس تحت لوائه، وقد أصبح أميرًا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط إفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين، ظلّ هذا القائد العظيم يحكم حتى سنة 500 هـ= 1106 م، وتوفى بعد حياة حافلة بالجهاد فّى تمام المائة، منها سبع وأربعين سنة فى الحكم وبعد أن استطاع إنشاء إمبراطورية مغربية تمتد بين الجزائر شرقا إلى المحيط الأطلسى غربا ومن البحر الأبيض شمالا إلى السودان جنوبا، تلك التى أصبحت من أقوى دول العالم فى ذلك الزمان.