الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إحسان عبدالقدوس يوم بيوم!

إحسان عبدالقدوس يوم بيوم!

كان الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس «يستعد لبدء عامه الثامن والعشرين عندما كتب مقاله البديع «أول يناير»، ونشره فى مجلة «روزاليوسف» فى الثامن من يناير سنة 1947. فى هذا المقال يعترف إحسان إنه صفحة من مذكراته التى يكتبها ويحتفظ بها لنفسه، لكن زملاءه فى «روزاليوسف» صمموا على نشره بعد أن قرأوه!! صحيح أن الأستاذ «إحسان» لم يهتم إطلاقًا بكتابة مذكراته لكنه كان من حين لآخر ينشر مقتطفات من ذكرياته الصحفية والسياسية فى مناسبات مختلفة! فى مقاله «أول يناير» كتب يقول: أول قطعة أدبية نشرت لى فى جريدة «روزاليوسف» اليومية عام 1935 وكانت من الشعر المنثور وعنوانها «أخيرًا وجدها» وقد أرسلتها إلى الجريدة بالبريد وبلا إمضاء، فنشرت فى الصفحة الأدبية، وذهبت بعدها إلى والدتى، السيدة روزاليوسف، لأكشف لها عن شخصية الكاتب العظيم صاحب هذه القطعة الأدبية الخالدة، ولكنها ما كادت تعلم أن هذا الكاتب العظيم هو «أنا» حتى ثارت فى وجهى وحرمتنى من مصروف يدى، فقد كان موضوع القصة الأدبية يدور حول فتاة وخمر وكانت والدتى تظن حتى ذلك الحين أنى أجهل ما هى الفتاة وما هى الخمر؟! وعندما نلت ليسانس الحقوق ورفضت وظيفة سكرتير عرضها علىّ المرحوم «أمين عثمان» باشا، ورفضت أن ألتحق بعدة شركات وقررت أن أشتغل بالصحافة مدة خمس سنوات فإن لم أنجح فقد بقى لى من عمرى ما يكفى لأن أتجه اتجاهًا آخر!! وقد بدت جميع المقدمات تبشر بفشلى فى الصحافة فقد طُردت من جريدة «روزاليوسف» لأنه كانت لى آراء لم يوافق عليها رئيس التحرير فى ذلك الوقت!! ورفضت الاشتغال فى مجلة «الاثنين» لأن رئيس تحريرها «مصطفى أمين بك» رفض أن يوقع باسمى مقالًا كتبته ونشره!! ثم عملت فى جريدة آخر ساعة وارتقيت فيها إلى حد كان الأستاذ التابعى «يعهد إلىّ بالإشراف على تحريرها أثناء غيابه فى رأس البر!! ورغم ذلك فلم يكن لى حق الإمضاء إلا بالحرف الأول من اسمى «أ» ثم أصبح إمضائى قاصرًا على اسمى دون لقبى فكنت أوقع «إحسان»، وكان أغلب القراء يعتقدون أن الكاتب فتاة!! وأخيرًا تركت آخر ساعة لأبحث عن جريدة ترضى أن أوقع اسمى كاملًا، ولكنى لم أجد!! وكنت قد تزوجت فى ذلك الحين، وكانت عائلة زوجتى تستنكف أن أكون صحفيًا حتى أنهم كتبوا فى بطاقة الدعوة إلى عقد القران أنى «محامى» لا «صحفى»، وكانوا يلحون علّى أن أهجر الصحافة لاشتغل بالمحاماة ولكنى رفضت أن أهجرها قبل مضى الخمس سنوات التى حددتها للتجربة! ووافقتنى زوجتى على رأيى فكان أن قضيت ثلاثة أشهر عاطلًا لم يزد دخلى خلالها على ستة جنيهات فى الشهر! وكنت كلما عرضت علىّ جريدة أن أعمل بها اشترطت أن أضع اسمى كاملًا متى أردت وفى أى صفحة أردت فكان رؤساء التحرير يرفضون!! وفى الشهر الثالث فكرت فى أن أكتب قصصًا للسينما، فكتب ثلاث قصص فى يوم واحد اشترتها منى السيدة «عزيزة أمير» بمبلغ 240 جنيهًا «مائتين وأربعين» وعندما أمسكت بالشيك فى يدى لم أستطع أن أقول لصاحبته شكرًا بل جريت إلى بيتى وما كدت أدخل إليه حتى وضعت رأسى فى الأرض وضربت بلانس وكان أول وآخر بلانس فى حياتى!! وضعت الشيك فى يدى زوحتى فبكت!! وعدت إلى جريدة «روزاليوسف» وقد أصبح لى حق الإمضاء، ولكنى طالبت بأن أكون رئيسًا للتحرير فرفضت والدتى، واستمرت فى رفضها إلى أن بدأت حملتى على اللورد كيلرن - المندوب السامى البريطانى فى مصر- ودخلت السجن، وعندما خرجت كافأتنى بأن عهدت إلىّ برئاسة التحرير، وعندما خرج اللورد كيلرن من مصر كافأتنى بمائة جنيه! هذه هى قبلات الزمن وصفعاته ودموعى وبسماتى ولا تزال أمامى قبلات وصفعات ودموع وبسمات فأنا أعتقد أننى لم أبدأ بعد حياتى!! وللحكاية بقية