الجمعة 19 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف إدريس ذلك النحلة الأدبية!

يوسف إدريس ذلك النحلة الأدبية!

أظن أن مايسترو الصحافة المصرية والعربية الأستاذ صلاح حافظ كان أول من كتب عن زواج د.يوسف إدريس من فتاة مكسيكية وعاد بها إلى مصر بعد حضوره مهرجان السلام العالمى بمدينة وارسو، وما زال فى مقام صلاح حافظ “يوسف وأنا مشاغبة أتمنى أن تدوم، الكثير من الأسرار والدروس النادرة”! يقول «صلاح حافظ» إن يوسف إدريس عاد بزوجته المكسيكية فخورًا ويكمل: «لكى نتورط نحن أصدقاؤه فى إعادة صياغة سكنه المتواضع ونركب له ستائر تخفى عيوبه عن عروسه الأجنبية، لكن هذا الشغف بالمجد والنجومية لم يسرق يوسف إدريس أبدًا من زواجه الشرعى بالأدب. نعم ظل يعاشر السياسة والصحافة ولكن كما يعاشر زوجة فى الظل بعقد عرفى، وانفصل عن زوجته المكسيكية عندما وجدها مصممة على أن تأخذه معها إلى هناك ليستمتع فى ظل والدها المليونير الفنان بأقصى ما يطمح إليه من مجد وشهرة بعيدًا عن الأدب. فهل كان يوسف أذكى منى عندما اختار حياة الأديب ولم تستدرجه مثلى مغريات الصحافة. لا أظن! ولا أظن أنه اختار طريقه بوعى أو بقرار، إنما هو عجز عن مقاومة افتتانه بالأدب وحاول أن يستجيب للمغريات التى تصرفه عنه ولم ينجح، فهو ولد أديبًا برغم أنفه! وأذكر أنه كان يغيب ونبحث عنه لكى نجده فى مقهى فى حى المنيرة بجوار كلية الطب يلعب الورق مع باعة الصحف ثم يفاجئنا بقصص ممتعة يصور فيها قاع المدينة بعيون الذين كان يلعب معهم، وأذكر أنه كان يغيب ونبحث عنه لكى نجده عائدًا من عزبة باشا إقطاعى أو من لورى يحمل عمال تراحيل! كان يعيش حياة الناس بصرف النظر عن مستواهم الاجتماعى أو الفكرى أو المادى وكان يستمتع فى كل الأحوال، وكان يفرز فى النهاية الرحيق فى صورة قصص ممتعة! كان نحلة أدبية، وسبقته أنا إلى احتراف الصحافة ونشرت له أول قصة ظهرت فى الصحف وكان يحسدنى على أننى أملك أن أنشر، وكنت أحسده على أنه يملك أن يمارس فن القصة الذى شغلني عنه مسئولياتى الصحافية، لكنى لم أواصل حسدى له فقد كانت قصصه تؤكد لى يومًا بعد يوم أننى أحسنت صنعًا  بالتوقف عن كتابة القصة ووجدت نفسى سعيدًا بأن يكتب ما كنت أريد أن أكتب، ولماذا أكتب وهو يسبقنى إلى التعبير عما كنت أنوى أن أعبر عنه ويسبقنى إلى الصياغات والهياكل الروائية التى كانت تراودنى غامضة فى خيالى وغير محددة الملامح. كان عالم القصة فى مصر قبل يوسف إدريس ينبض بإرهاصات جديدة ويبشر بانتقاله واسعة، وكنت واحدًا من كثيرين يحاولون تحقيق هذه الانتقالية أو الانتفاضة، ثم جاء «يوسف إدريس» وقفز فى المياه المضطربة، وحقق ما كنا نصبو إليه، فأعفانا جميعًا من هذه المهمة، وصار واجبًا أن نبتهج به قبل أن نبتهج له، وعندما ينجز أديب فى أوروبا مثل هذه المهمة فإنه يوصف بالعبقرية، لكننى آخر من يستطيع أن يطلق هذا اللقب على يوسف إدريس لأننى عايشته طوال عمرى ويصعب على من يعايش إنسانًا أن يدرك عبقريته، فهو بالنسبة لى «يوسف» فقط، يوسف التلميذ والصديق، الزميل الذى أتشاجر معه ويتشاجر معى والذى يكتب لى عندما تسجننى الحكومة، والذى أكتب عنه مدافعًا عندما يضطهده باعة الخرافات وحملة الخناجر. وعلى هذا النحو البديع يمضى مقال «صلاح حافظ» ويضيف: «ولأننى أعرفه فقد كان نبأ مرضه بالنسبة لى كارثة خلعت قلبى، ثم جاء نبأ الوسام الذى خلعته عليه الدولة فلم يسعدنى فالذى يهمنى لم يكن يوسف العبقرى أو يوسف حامل الوسام، وإنما «يوسف» فقط زميل العمر من أيام التلمذة، ثم جاءت الأنباء بأنه بدأ يسترد وعيه ويتكلم وينتصر على المرض فطلبت من جيرانى أن يطلقوا الزغاريد! وسأعترف ليوسف إدريس بأنه عبقرى حقًا إذا واصل رحلة الشفاء وقهر المرض، وهو قد فعلها قبل ذلك مرات، ولا يهمنى بعد ذلك أن يكتب أو لا يكتب، فهو قد كتب ثروة من الأدب والفن والفكر تعفيه من أى مزيد، فهو قد أغنى الثقافة العربية بأكثر مما تطلب من رجل واحد. كل المطلوب منه لكى يؤكد عبقريته هو أن يعود لنا سليمًا من براثن الأطباء فى بلاد الغربة، وأن أراه ونستأنف الاشتباك بين لسانى المهذب ولسانه الطويل. وللحكاية بقية!