الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إحسان وروزاليوسف.. سيرة أخرى!

إحسان وروزاليوسف.. سيرة أخرى!

«إحسان عبدالقدوس سيرة أخرى» أحدث كتب زميلى وصديقى الكاتب الجاد والصحفى اللامع «إبراهيم عبدالعزيز»، وما أكثر المفاجآت الأدبية والصحفية التى كشف عنها «إبراهيم» فى كتابه الممتع عبر صفحاته التى بلغت أربعمائة صفحة».



وأظن أن أجمل ما كشف عنه «إبراهيم» ونشره تلك المقالات النادرة والمجهولة التى كتبها إحسان فى مراحل مختلفة من مسيرته الصحفية، ومنها مقال «أمى»!

فى هذا المقال البديع كتب إحسان يقول:

«كتبت مرة منذ سنوات إن أمى لا تريد أن تنسى أنها تعبت فى حملى تسعة أشهر، فتطالبنى بالتكفير عن هذه الأشهر التسعة طول حياتى!

وكتبت مرة أخرى أن أملاك السيدة «روزاليوسف» لا تتعدى فيللا أنيقة فى ضاحية المطرية، وتقفيصة فراخ وكلبا اسمه «لاكى» وابنا اسمه «إحسان»!

وكانت أمى تقرأ ما أكتبه عنها ولعلها كانت يومها تبتسم وتسخر من عقلية الطفل التى أملت على هذه السطور، أما أنا فلم أكن أكتب لأشيع الابتسام على شفاه القراء، ولم أكن أعتقد يومها أن عقليتى عقلية طفل، بل كنت أكتب عن اقتناع، كنت مقتنعًا أن أمى تنتقم منى لأنى أتعبتها فى حملى تسعة أشهر، ثم لفظى إلى الحياة، وكنت مقتنعًا أنها تعاملنى معاملة «فيللتها الأنيقة «تهدم منى ما تشاء وتبنى ما تشاء، ومعاملة فراخ التقفيصة تطعمنى متى شاءت وتذبحنى إذا أرادت، ومعاملة صديقى الكلب «لاكى» مع فارق بسيط هو اعتقادها أن «لاكى» أشد إخلاصًا لها منى!!

وكان اقتناعى هذا نتيجة وقائع وظروف أحاطت بى، فقد تفتح وعيى، فإذا بى بين يدى أم ليست ككل الأمهات أم ليس فيها نعومة السيدات ولا ضعفهن نحو أبنائهن ولا يستقيم مع أخلاقها تدليل الأطفال، و«تهشيكهم» ومناغاتهم، بل كانت أما طاغية طغيان مارد، عنيدة عنادا جبارا!

ولا شك أنها سهرت بى الليالى كما سهرت بابنها كل أم، وانحنت بقلبها وروحها فوق «مهدى» كما انحنت كل أم فوق مهد ابنها وبكت وضحت كما بكت وضحت كل أم وربما أكثر!

ولكن كل ذلك حدث قبل أن أعى وقبل أن يتنبه إحساسى وإنما تفتح وعيى وتنبه إحساسى، فإذا بأمى السيدة «فاطمة اليوسف» صاحبة مجلة روزاليوسف الأسبوعية ثم اليومية، وإذا بها تخاصم حكومات وتناضل زعماء وأحزابًا وإذا بها تستدعى إلى النيابات ويحقق معها كل يوم، ثم تسجن فى إحدى المرات، وإذا بحديثها كله لا عن «التريكو» ولا عن طابخين إيه النهاردة ولا عن آخر المودات بل حديثها حديث السياسة والمشروعات والزعماء!!

فخبروني: أى أم فى العالم مثل هذه الأم!!

وأحسست بالجفاف الروحى وسط هذا الجو الذى أعيش فيه ولم أكن أرى أمى إلا ساعة الغداء، كان ثالثتا التليفون، نتحدث  من خلاله إلى المطبعة وإلى المحررين وبين كل حديث وآخر تنظر إلىّ وتبتسم، وكانت هذه الابتسامة هى كل نصيبى من حنان الأم!

واجتمعت هذه الظروف حولى فافتقدت التدليل والدلع الذى تمتع به كل طفل، وكان يحز فى قلبى أن أرى طفلاً تلاعبه أمه فى حديقة أو تسحبه من يده فى الطريق، أو تضمه إلى صدرها فى عربة الترام!

ومن حق أمى على أن أذكر أن عملها لم يفقدها حنان الأم فقد كان من عادتها أن تعود فى المساء فتجلس بجانب سريرى لتطمئن على، وربما ساعتها تناغينى وتقبلنى وتهشكنى ولكنى فى هذه الساعة أكون نائمًا فلا أحسن بمناغاتها ولا بقبلاتها!!

ونلت شهادة التوجيهية  فى السابعة عشرة من عمرى والتحقت بكلية الحقوق وهنا تبدأ صفحة جديدة فى تاريخ الأم والابن!! وللحكاية بقية!!