السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أخذ الحق حرفة!

أخذ الحق حرفة!

من منا – أيًا كان مستواه المادى- لا يحلم بالسكن فى حى نظيف وراق، يضمن له توافر الخدمات، ووسائل الترفيه، وكل سبل الأمان؟ من منا لا يتمنى أن يعيش فى حى يضم بين جنباته المسطحات الخضراء، والمساكن الطيبة التى لا يعانى ضوء الشمس فى الوصول إليها؟ لا أظن أن أحدًا منا لا يرغب فى الحياة وسط أفراد يشبهونه فى الأفكار والسلوكيات وطريقة الحياة، بيد أن ذلك يجب ألا ينسينا إحدى سنن الله فى كونه وهى أن اتصال البشر – رغم اختلافاتهم - هو المعنى الأهم للوجود فى الحياة، والسبب الرئيس لتطور البشر اجتماعيًا، وإنسانيًا.



ولن أبالغ إذا قلت إن حلم السكن الراقى – لا تأصيل الطبقية - قد أصبح الآن توجه دولة فى مصر، فلقد تابعنا حرص القيادة السياسية على تحقيق هذا الحلم لجميع المواطنين وفى القلب منهم الأولى بالرعاية.. وقد تجلى ذلك فى توجيه المسئولين عن التطوير العمرانى للأحياء السكنية التى يتم إعدادها لبنى وطنى من سكان المناطق العشوائية، أن تكون هذه الأحياء الجديدة «متكاملة» وبها كافة الخدمات وحتى سبل الترفيه..  ولقد رأيت بنفسى – كما رأى كثيرون غيرى – كيف أن مشروع «بشاير الخير» بالإسكندرية، ومشروع «الأسمرات» بالقاهرة، واللذين تم تأسيسهما كسكن بديل لسكان المناطق العشوايئة الأكثر خطورة، أصبحا -بلا مبالغة-  يضاهيان المجمعات السكنية الراقية.

 فبخلاف الشكل الجميل للعمارات وألوانها المتناسقة، يضم مشروع «الأسمرات» بمراحله الثلاثة على -سبيل المثال- عددًا من المبانى الخدمية منها مجمع مدارس لمراحل التعليم المختلفة، ودور حضانة، ومراكز طبية ووحدة صحية، ومركز رياضى وملاعب مكشوفة، ووحدات شرطة ومطافى وإسعاف وبريد، بجانب إقامة أسواق حضارية ومخابز ومركز تدريب وصيانة، فضلاً عن إنشاء مسرح كبير بين مراحل المشروع الثلاثة. 

فى الفترة الماضية، تابع كثير منا عدة حملات ترويجية لمجمع «مدينتي» السكنى الفاخر بالقاهرة الجديدة، وهو واحد من المجمعات الأغلى فى  شرق القاهرة.. وقد غنّت فى إحدى هذه الحملات المطربة «أصالة» بصوت أوبرالى «مدينتى... مدينتى»، حتى أن رواد مواقع التواصل الاجتماعى تناولوا الإعلان بسخرية متندرين، بقولهم إن «مدينتى» سوف تعلن الاستقلال عن مصر. ومع بداية شهر رمضان المنصرم أثار أحد إعلانات «مدينتى» الجدل مرة أخرى، حيث بدا جليًا أن مبدأ ترسيخ الطبقية صار هدفا للقائمين على الترويج لذلك الكمباوند الفاخر، إذ يؤكد الإعلان تفرد سكان المدينة عن غيرهم من باقى المصريين، خاصة مع جملة «الناس كلهم فى المدينة شبه بعض، والكميونتى هنا حلوة».

وبقدر ما أزعجنى الإعلان الأخير، أدهشنى الرقى الذى تعامل بها المستاؤن منه، وأثلج صدرى التحضر الذى كان السمة الغالبة على طرق تعبيرهم عن هذا الاستياء وعلى المنهج الذى اتبعوه للمطالبة باحترام حقهم فى التحفظ على طريقة الترويج التى رأوها تثير نعرات الطبقية وتخدش عزة أنفسهم.. فبدلا من السب والشتم وصب جم الغضب على سكان هذا المجمع السكنى أو على مطوريه، همّ نفر من رواد مواقع التواصل الاجتماعى بالسخرية من الإعلان المسيء من خلال تصوير مقطع فيديو بدا وكأنه إعلان ترويجى لأحد الأحياء الشعبية فى مصر على نفس المنوال المتبع فى الإعلان الخاص «بمدينتى». نعم .. أخذ الحق حرفة، لا يجيدها إلا قليل.. استطاع هؤلاء الشباب أن يعبروا بخفة ظل، وروح شبابية عن مدى استيائهم من مضمون الإعلان الأصلى وقد احتوى على عبارات وإيحاءات لم تكن موفقة.. وبتطبيق قاعدة «بضدها تتباين الأشياء» تمكن الشباب المبدع من إيصال رسالة الاحتجاج على إعلان «مدينتى..» أما القائمون على المشروع فلم يجدوا مفرًا من الاستجابة الفورية لهذا السلوك الراقى فى الاعتراض والاحتجاج، والتقطوا الخيط بعد أن فهموا أن الإعلان الذى أريد له الترويج أصبح معول هدم للمشروع، وقاموا بإعادة إنتاج نسخة جديدة من الإعلان تجنبوا  فيها كل ما أثار حفيظة هؤلاء الشباب ومن يتبنون وجهة نظرهم.

نحن جميعا مع السكن الراقى الذى يحفظ للفرد آدميته، ويحقق للأسرة رفاهيتها. ويا ليت السكن فى مصر يصبح كله مجمعات راقية، ومع ذلك، لن نقبل أن يتحقق هذا الحلم من خلال الترويج لإثارة الطبقية والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، أو تفكيك أواصر الاخوة بين مواطنى البلد الواحد.