السبت 8 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المترجم يوسف نبيل: صناعة النشر فى المنطقة العربية مليئة بالمشكلات

على ضفة موازية لضفة الإبداع يبدع المترجم بأنامله وحسه اللغوى المرهف فيخلق عالماً إبداعيا يحاكى الإبداع فى لغته الأصلية وينقله لنا بأدواته اللغوية الخاصة. 



يوسف نبيل روائى ومترجم مصرى من مواليد 1987. يترجم عن الروسية والإنجليزية. خريج كلية الألسن – جامعة عين شمس عام 2008 قسم اللغة الروسية. صدرت له سبع روايات حتى الآن، وما يقرب من عشرين عملا مترجمًا.. معاً نبحر معه فى حوار بين عوالم المترجمين لعدد من اللغات.

■ ما سر ولعك بتولستوى وتشيخوف وكيف ترى كتاباته وآراءه؟

ـــ يعود ولعى بتولستوى إلى فترة طويلة جدًا، حيث قرأت سيرته فى المرحلة الثانوية، وتعرفت على بعض أفكاره فى نفس الوقت الذى تعرفت فيه على أعمال دوستويفسكي، ومع مرور الوقت وقراءة المزيد من أعماله بالعربية فى مراحل مختلفة، أدركت أنه يتميز بجرأة شديدة جدًا فى نوعية وطريقة طرح أفكاره. يمكننا أن نقول أنه لا يكتفى بتحليل الفكرة سطحيًا، بل يغوص إلى أعمق أعماقها، مع قدرة مذهلة على رفض كل ما هو سائد ومستقر دون خوف على الإطلاق. رغم ذلك يجمع فكره بين الهدم والبناء فهو ليس من النوعية التى تستمتع بالهدم دون هدف، بل يعمل داخل إطار مرن يتجدد باستمرار. أكن إعجابًا خاصًا بأفكاره الدينية التى تجمع بين فهم عميق للتعليم الأخلاقى المسيحي، وفهم واسع لجوانب عديدة من الأديان الشرقية كالبوذية والطاوية.

بالنسبة لتشيخوف لم أترجم له سوى كتاب واحد، وأنوى ترجمة كتاب آخر له. أحبه على المستوى الأدبى بشدة، وأحب طريقته فى الكتابة، لكن تشيخوف ليس من نوعية تولستوي؛ أقصد لا يمتلك إطارًا أيدولوجيًا واضحًا، وقد اعترف هو نفسه أنه بسبب ذلك لم يكتب روايات ضخمة، حيث رأى أن عملا كهذا – فى تلك الفترة – كان يتطلب منه أن يمتلك مشروعًا فكريًا ذا أفكار واضحة ومحددة، على طراز دوستويفسكى وتولستوي. رغم كل ذلك أعتبر نوفيلات تشيخوف من أفضل ما قرأت على الإطلاق.

■ كيف تختار ترجماتك وهل تستشير أحد بها؟

ــ أنا فى رحلة قراءة وبحث مستمرين، حيث تحولت القراءة إلى جزء أساس من عملي. أظن أن أحد الأمور التى تميز مترجمًا عن الآخر هى جودة الأعمال التى يختارها  للترجمة، وارتباطه بمشاريع ذات توجهات واضحة. أقرأ كثيرًا جدًا، وأختار ما يعجبني، ثم أحاول موازنة اختياراتى مع دور النشر المناسبة التى يمكن أن تتحمس لهذا العمل، وأحاول العمل من منطلقات معينة، كالعمل داخل مشروع ضخم  مثل يوميات تولستوي، أو تقديم أعمال شديدة الأهمية لكتاب روس لم نسمع عنهم فى مصر... إلخ. أحيانًا أستشير بعض أساتذتى حول قيمة بعض الأعمال، وأحاول قراءة ما يكتب عنها، لكن العامل الأساس والموجِّه هو ذائقتى الشخصية وإحساسى بمدى أهمية العمل.

■ فى رأيك ما أهم المشكلات التى تواجهك كمترجم عن اللغة الروسية وكمترجم مصرى عربى بوجه عام؟

ـــ لا أواجه مشكلات خاصة بترجمتى عن الروسية بشكل خاص، لكنى كمترجم مصرى وعربى بوجه عام أواجه مشكلة أنك تعمل فى صناعة مليئة بالمشكلات. صناعة النشر بشكل عام فى المنطقة العربية تواجه مشكلات عديدة، وأغلب دور النشر لا تعمل باحترافية، وثمة مشكلات دائمة بشأن رفض أعمال معينة لا تحظى برواج، ومشكلات تتعلق بعدم وجود منهجية واضحة فى تعامل دور النشر مع المترجم، ومشكلات تتعلق بضعف التمويل وصعوبة ترجمة أعمال لها حقوق ترجمة، مما يجعل بعض المترجمين يفضلون العمل على الأدب القديم مثلا. باختصار: أنت تعمل وسط إطار غير مهنى وتواجه مشكلات متكررة فى الحفاظ على حقوقك الأدبية والمالية كمترجم، ويزداد الأمر خطورة إن كانت الترجمة هى مهنتك الرئيسة.

■ كيف ترى حركة الترجمة من وإلى الروسية فى مصر والعالم العربي؟

ـــ أظن أنها فى الفترة الأخيرة بدأت تستعيد أنفاسها. مرت حركة الترجمة بفترة رائعة إبان فترة الاتحاد السوفيتي، حيث كان يمول ترجمة كمية ضخمة جدًا من الأعمال، فقرأنا الأدب الروسى من إصدارات دار رادوغا والتقدم، ثم انخفض المعدل بشكل مهول بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وغياب الدعم المؤسسي، لكن حديثًا بدأت الأمور تعود نسبيًا إلى مسارها الصحيح. تزامن ذلك مع عودة دور النشر الخاصة لإعادة إصدار الأعمال القديمة، ثم الاتفاق على أعمال أخرى حديثة، مستغلين وجود بعض المؤسسات الروسية التى تقدم دعمًا للترجمة. تزامن ذلك أيضًا مع ظهور أسماء مهمة جدًا فى عالم الترجمة، قدمت فى الفترة الأخيرة منتجًا ملفتًا جدًا. الآن لدينا عدد لا بأس به من الأعمال الحديثة والمعاصرة، وأسماء مترجمين كبار يعملون فى غياب الرقابة الأيديولوجية إلى حد كبير.

■ هل تأثرت كتابتك الأدبية بسمات الأدب الروسى؟

ــ أظن أن هذا صحيح إلى حد كبير. محاولاتى الأولى قبل النشر كانت عبارة عن محاكاة لأعمال دوستويفسكي، ولكن بسذاجة بالطبع، ولكن ثمة تأثير واضح فى حجم ما تشغله الفكرة الدينية فى أعمالي، وفكرة البحث المستمر عن الذات وطرح الأسئلة الوجودية الكبرى التى شغلت دوستويفسكى وتولستوى وتشيخوف دائمًا. لكن بمرور الوقت أكتسبُ شكلا خاصًا بي، ورغم ذلك لا يغيب التأثير أبدًا، وإنما يزداد عمقًا.

■ كيف تراوح بين الكتابة الابداعية والترجمة؟

ـــ الأمر يختلف من فترة لأخرى. فى البداية كنت أخصص وقتًا للكتابة ووقتًا للترجمة، ولكن منذ أن اتخذت قرارًا بترك العمل والتفرغ للترجمة، انشغلت بها بشدة على حساب العمل الإبداعي، لأنى كنت فى بداية العمل بهذا المجال وأحتاج إلى إثبات نفسى وتقديم أعمال مهمة وتوفير عائد يسمح لى بالكتابة. فى الفترة القادمة أظن أنى سأوفر بضعة أشهر سنويًا للكتابة، وبقية العام للعمل بالترجمة.

■ نرى أن الترجمة الأدبية عن الروسية تحتل المساحة الأكبر من المنجز الفكرى الروسى لماذا لا تترجم الاعمال الفكرية والفلسفية وغيرها بنفس الشغف؟

ــ لعدة أسباب؛ أولها أن الأدب الروسى هو الأكثر شهرة، وأن تسويقه من حيث المقروئية أسهل؛ وهو الأمر الذى يشغل أى دار نشر فى المقام الأول. السبب الثانى أن ترجمة عمل متخصص يتطلب مترجمًا متخصصًا أيضًا. لا يتوفر بسهولة مترجم عن الروسية وفى الآن ذاته متخصص فى العلوم الطبيعية مثلا. شخصيًا اهتميت بترجمة الأعمال الفكرية، وقدمت منتج تولستوى الفكرى فى الأساس، لا الأدبي، سأواصل تقديم بعض الأعمال الفكرية بالتوازى مع أعمال أدبية فى المستقبل بإذن الله.

■ حدثنا عن مشروعك الأدبى ومشاريع الترجمة القادمة؟

ـــ ثمة سؤال طرحه الأدب الروسى فى مرحلة مهمة من تاريخه: ما العمل؟ دارت الكثير من الأعمال حول الإجابة عن هذا السؤال، وأظن أنه السؤال الذى يشغلنى دائمًا. بالطبع يستلزم ذلك فهم المشكلة من الأساس. حاولت تقديم بعض الرؤى فى أعمال الأولى، مع تفكير وتجريب دائمين فى الشكل الأدبي، وقد جربت فعلا أشكالا عديدة من السرد وتكنيكات مختلفة، حتى فى أعمال صغيرة الحجم. فى الفترة الحالية يتغير تفكيرى وينحو صوب مناطق أكثر هدوءًا وأسئلة أقل حدة؛ أسئلة تتعلق بفهم هاديء للإنسان ورغبة فى الابتعاد عن إصدار الأحكام ومزيد من التفهم. من هذا المنطلق أبدأ فى الفترة القادمة فى رواية تختلف بشكل واضح عن أعمالى السابقة، أو هكذا آمل.

بالنسبة لمشاريع الترجمة: أنا الآن على وشك الانتهاء من يوميات تولستوي، وهى أكبر مشروع عملت عليه: 6 أجزاء ضخمة. أفكر بعدها فى مشروع آخر ضخم يتلخص فى تقديم الأدب الروسى بشكل جديد: ترجمة أعمال مرتبة زمنيًا لأدباء روس شديدى الأهمية لم يسمع بهم أغلب القراء العرب؛ فأبدأ بتقديم أهم أسماء العصر الكلاسيكى الذين لا نعرفهم، ثم بداية العصر الفضي، والمرحلة السوفيتية، وصولا إلى أهم أسماء نهاية القرن العشرين الذى نجهلهم. بهذا أكون قد قدمت الأدب الروسى فى سياقه التاريخى بشكل جديد، حيث أن بعض الأسماء غطت على غيرها ففقدنا متعة التعرف على أعمال أخرى شديدة الأهمية، كما أن فكرة التسلسل التاريخى ستجعل فهم الخلفية الاجتماعية والتاريخية للأعمال أكثر جدوى وعمقًا.