بوشكين شاعر روسيا الأول ذو الجذور الإفريقية

خالد بيومى
صدر عن دار الرافدين للنشر الترجمة العربية لكتاب «يوميات ومذكرات ألكسندر بوشكين» ونقل الكتاب من الروسية إلى العربية المترجم محمد خميس، وبوشكين رائد اللغة الأدبية الروسية المعاصرةوأسطورة الأدب الروسى الذى يعد مرجعاً مهماً يضىء على مساحات غير معروفة أو يتوسّع فى أخرى حول أول كاتب روسى يحظى بشهرة عالمية، ومؤسس الأدب الروسى المتعارف عليه فى العصر الحديث، ومُقوّم اللغة الأدبية الروسية، وفق عديد النقاد فى العالم وقد أسهمت أعماله فى إثراء الأدب الروسى.
ولد بوشكين فى بيئة مثالية لتشكيل موهبته (يونيو 1799 – فبراير 1837)، والدته حفيدة جنرال ذى أصول إفريقية، حالة أدبية متميزة ومتمايزة، على الرغم من سنيّ عمره القصيرة جداً قياساً بإنجازاته الإبداعية فى الشعر والرواية وغيرهما من أنماط الإبداع الأدبى، حيث لم يتم سليل العائلة الروسية النبيلة من سلالة عشيرة البويار القديمة، وجدّه لأمه إبراهيم بيتروفيتش هانيبال إفريقى المولد والقائد العسكرى فى عصر بطرس الأكبر، سن الثامنة والثلاثين، هو الذى أمضى سنوات عمره الأولى ما بين موسكو، وضيعة «زاخاروف» القريبة منها، والمملوكة لوالدته. تشبع بوشكين بالثقافة الأوروبية فى صغره.
وكان التحاق بوشكين فى العام 1811 بالمدرسة الثانوية (الليسية)، التى تعد أرقى المؤسسات التعليمية فى روسيا، والتقى أفرادًا من صفوة المجتمع، سيكون لهم تأثير كبير على حياته لاحقا. جذب بوشكين انتباه المعلمين والطلاب بموهبته الشعرية، وقوبلت أولى أعماله بترحاب كبير، نقطة تحوّل فى تطوره الإبداعى، ففى مؤسسة التعليم العالى ذات الامتيازات الخاصة بأطفال النبلاء، برز باستخدامه لفن الشعر الكلاسيكى الفرنسى والروسى العاطفى فى القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، والتى تطلب تناغماً ما بين الموضوع والأسلوب واللون الفنى، بحيث طرح عديد القصائد التى كشفت عن موهبة فائقة ومتفجرة بينها «مذكرات فى تسارسكويه سيلو»، و«ليسينيوس»، و»المدينة»، وغيرها. بعد تخرجه كانت فى انتظاره وظيفة مريحة،لكنه كان أكثر انشغالا بالكتابة، واهتم بقضايا المجتمع من حوله، فنشر فى تلك الفترة أعمالاً ذات طابع ثورى، اكتسبت شعبية كبيرة، وكانت السبب فى إثارة غضب القيصر ألكسندر الأول الذى قرر التخلص منه بنفيه إلى الجنوب فى مايو 1820، كان ذلك بداية تقلبات ست سنوات فى حياة الشاعر، أتاحت له هذه الفترة فرصة التعمق فى الآداب العالمية.
ظهر اهتمامه بالشرق فى قصائده وقصصه الشعرية: «أسير القوقاز»، و«نافورة باختشى سراى». وتحمل بعض كتاباته تأثراً واضحاً بالقرآن والسنة مثل «قبسات من القرآن» عام 1824، و«النبى» عام 1828.
ورصد بوشكين فى مذكراته عديد الإبداعات وحتى الكتب التاريخية والفلسفية المؤثرة، وبينها سلسلة «التاريخ الروسي»، حيث قال «فى أثناء مرضى، لدرجة أن الربيع غشى خيالى بكل سحره الشاعريّ. كان ذلك فى أوائل فبراير من العام 1818، خرجتْ إلى النور المجلدات الثمانية من (التاريخ الروسى) لكارامزين، وقرأتها وأنا فى سريرى بتعطش واهتمام. أدى ظهور هذا الكتاب، كما ينبغى، إلى إحداث ضجة كبيرة، وترك انطباعاً قوياً، إذ تم توزيع 3000 نسخة من شهر واحد. يوفّر فرصة ذهبية للتعرف على تاريخ روسيا فى تلك المرحلة الزمنية، حيث الحديث عن الكوليرا فى الفترة ما بين 1822 و1826 أو يزيد قليلاً.
أعمال بوشكين فى المنفى دعمت مكانته الأدبية، وجعلته الأهم فى مجال الأدب الرومانسى، وأصبحت رسائله التى اعتاد إرسالها إلى أصدقائه أعمالا خالدة فى النثر الروسى فيما بعد، لكن واحدة من تلك الرسائل وقعت فى يد الشرطة، وأثارت شكوكاً حول ميله إلى الإلحاد، وهو ما أدى إلى نفيه هذه المرة إلى بلدة والدته فى شمال غرب روسيا، استغل بوشكين سنوات الغربة والعزلة فى دراسة التاريخ الروسى، والتعرف على حياة الفلاحين وتراثهم الشعبى، وهو ما أثر بوضوح على أعماله. فعبرت بعض كتاباته عن الوضع الاجتماعى والسياسى للبلاد، ونالت أفكاره إعجاب الكثيرين منهم «ثوار ديسمبر» وهم مجموعة من النبلاء الروس ثاروا ضد السلطة محتجين على تولى القيصر نيقولا الأول الحكم، ومطالبين أيضا إلغاء نظام الرق، فقد كان المجتمع الروسى فى ذلك الوقت يخضع لنظام إقطاعى. تقبع فى أسفله طبقة الرقيق وهو نمط من أنماط العبودية عانى منه الفلاحون الروس لمئات السنين. فشلت حركة ثوار ديسمبر فى تحقيق مطالبها، وتعرض معظم المشاركين للاعتقال أو الإعدام. أكثر هؤلاء الثوار كانوا رفقاء بوشكين منذ أيام الدراسة.
كما انضم وشكين فى العام 1817 إلى جماعة سرية كانت تهدف إلى الإطاحة بالحكم العثمانى فى اليونان، وإنشاء دولة يونانية مستقلة، فقد كانت الثورة اليونانية مصدر إلهام له، حتى إنه حين اندلعت الحرب ضد الأتراك، احتفظ بمذكرات دوّن فيها أحداث الانتفاضة الشعبية، هو الذى انضم فى وقت لاحق إلى جمعية «المصباح الأخضر» التى كانت تهدف بداية إلى مناقشة الأعمال التاريخية والأدبية، لكنها تحولت مع الوقت إلى جناح لجمعية سرية معارضة دعت إلى الثورة على القيصر الروسى، وهذا ما انعكس على قصائده فى تلك الأعوام (1917 – 1920)، حيث المزج ما بين الحديث عن الثورة والحرية والمحبة فى آن، وبنمط يمزج الغنائية بالأسلوب الصحافى، وهى الفترة التى شهدت كتابته لقصيدة «روسلان وليودميلا» الوطنية التاريخية، التى نشرت فى العام 1920، وكانت بمثابة نقطة تحول فى تاريخ الشعر الروسى.