الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 31

لغة الجينات 31

«الغباء»  نقص، والتغابى كمال، الغفلة ضياع، والتغافل حكمة.. «الغباء فى الظاهر بيأذى صاحبه فقط.. وفى الباطن يعمل على تدمير حياة الناس بشكل مستمر لأنهم لا ينتبهون له...فالأغبياء يدمرون غيرهم ويفسدون للإفساد..



«الغبى» إنسان طائش وانفعالى لا يحسب العواقب ويثير المشكلات لأسباب تافهة..فى الظاهر بارع جدا  على صنع الخسائر له وللآخرين، وفى الباطن يستهدف دائما أصحاب الجينات الأصلية، خاصة وهم غالبًا  ما يستهينون بالقوة المدمرة لدى الغبى ... ينسون  الطاقة المدمرة والكامنة فى البشر إذا ما كانوا أغبياء.

«الشخص الغبى» هو الأكثر خطورة على الإطلاق خاصة لو كانت لديه سلطة أو منصب .... فى الظاهر يمكن ألا تنتبه له.. فالغباء ليس له علاقة  أو صلة مباشرة بمستوى الشخص التعليمى أو مكانته الاجتماعية أومنصبه.. وفى الباطن الغباء موجود حولنا بكثافة..وعلى بساطته معقد من حيث التعامل معه، لأننا لم ندرك طبيعته... فالغبى لا يفكر فى خطواته وأفعاله، ولا يفكر أيضا فى كيف يفكر الآخرون.

«الغبى» فى الظاهر شخص لايتعلم من أخطائه يتحدث عن جهل ويتصرف برعونة.. وفى الباطن ورم سرطانى قاتل ومخيف .. معدوم الخيال، ينظر إلى السطح دون التعمق فى داخله، يجادل بغير علم، ويظن نفسه يمتلك مفاتيح وأجوبة وألغاز كل شىء فى الكون...وتكون الكارثة الكبرى عندما يكون هناك «غباء جمعى»

«الغباء الجمعى» هو من أفقدنا قامة كبيرة من أصحاب الجينات الأصلية .. هو الدكتور يحيى المشد.

«الدكتور يحيى المشد» فى الظاهر عالم كبير.. واحد  من أهم عشرة علماء على مستوى العالم فى مجال التصميم والتحكم فى المفاعلات النووية.. وفى الباطن مشروع متكامل لنهضة كبيرة كانت تنتظر مصر والعالم العربى كله لولا «الغباء الجمعى» سواء كان مقصودا أو صدفة.

«الدكتور» المشد فى الظاهر التحق بهيئة الطاقة الذرية المصرية.. التى كان أنشأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. والذى أمر أيضاً قبل ذلك بعام بإنشاء قسم للهندسة النووية فى جامعة الإسكندرية..  وفى الباطن لم نقدم له شىء وتركناه يعمل فى ظل ظروف قاسية وحياة أشد قسوة فيقبل بالعرض العراقى وحلم صدام فى امتلاك مفاعل نووى.. والغباء الجمعى يتركه يذهب لمصير محتوم.

«الغباء الجمعى» فى الظاهر ترك الدكتور المشد يعانى من حياة صعبة لاتتوفر فيها الإمكانيات.. فيقبل بعرض للتدريس فى النرويج .. أحد مراكز اللوبى الصهيونى فى أوروبا .. وهى التى خرج منها اتفاق أوسلو الشهير ..وبالفعل يسافر ومعه زوجته .. وفى الباطن يتلقى عروضًا كثيرة لمنحه الجنسية النرويجية.. عروضًا بلغت أحيانا درجة المطاردة طوال اليوم.. وكان رفض الدكتور يحيى المشد سببًا فى بداية ترصد خطواته وتعقبه.. خصوصا «وغباؤنا الجمعى» تركه وحيدا !

فى الظاهر كان عدم توفير الإمكانيات والأجهزة العلمية والإنفاق السخى هو الدافع للدكتور «المشد» لقبول عرض صدام حسين العمل فى المفاعل النووى العراقى،وبالتحديد فى مطلع 1975 .. وفى الباطن كان «غباؤنا» وعدم قدرتنا على تقدير حجم وقيمة الدكتور يحيى المشد العالم المصرى هى الطريق الممهد لاغتياله بشكل درامى وغامض جدا فى باريس على يد الصهاينة.

«الغباء الجمعى» وعدم متابعتنا لأحد أهم علمائنا كان سببا رئيسيا لاغتياله بباريس.. ففجأة اشترطت باريس أن يذهب «المشد» بنفسه لاستلام شحنة يورانيوم اشترتها بغداد.. اختارته بالاسم... فى الظاهر قالوا لأنه خبير ويستطيع تحديد النوع المناسب.. وفى الباطن كانت الخطة أن يذهب وحيدًا ليكون صيدًا سهلا إما بالتجنيد أو التصفية.

«الغباء الجمعى» تواصل فى التعامل مع أسرة الدكتور يحيى المشد حتى بعد عودتها من بغداد بلا سند.. فى الظاهر ..قاموا بعمل جنازة للراحل، وفى الباطن كانت الجنازة كاشفة للغباء فلم يحضر الجنازة أيًا من المسئولين أو زملائه بكلية الهندسة إلا قلة معدودة..حيث إن العلاقات المصرية العراقية وقتها لم تكن على ما يرام بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

فى الظاهر أصبحت أسرة المشد الآتية من العراق .. وبسبب «الغباء الجمعى»  لا تعرف ماذا تفعل بعد رحيل المشد، وفى الباطن كان  المعاش الذى كانت تصرفه دولة العراق والذى صرف بناءً على أوامر من صدام حسين مدى الحياة هو من يساعدهم على العيش وإن كان حتى هذا المعاش قد  توقف بعد حرب الخليج.. وكالعادة «الغباء الجمعى «حرمنا من الانتباه وتقدير وضع الأسرة أو وضع العالم الكبير.

ألم أقل لكم.. أن الأغبياء خطر ..وأن الأذكياء دائمًا يقللون من حجم القوة المخربة لدى الأغبياء ..

فى الظاهر يستمر الأذكياء فى نسيان أنّ التعامل مع بشر أغبياء ينقلب دائمًا إلى خطأ مكلف فى كل الأوقات والأمكنة وتحت أى ظروف» وفى الباطن وعلى مدار آلاف السنين فشل أفراد لا حصر لهم فى تقدير خطورة الغباء، ونتج عن ذلك الفشل خسائر لا تحصى للجنس البشرى.

ألم أقل لكم أن الإنسان المبرمج بشريحة من الغباء غير المحدود.. يشل  حتى ذكاء التكنولوجيا ويعطل حتى سباق التطور.

احذر ..فالأغبياء يلقون بالمجتمع كله إلى الهاوية... تأثيرهم قاتل على حركة تطور المجتمعات ونموها،  احذر.. فالغباء  واحدة من إشكاليات التخلف فى المجتمعات، خاصة عندما لا تعرف الأمم  كيف تبعد الأغبياء وتقصيهم .. وتضع الأذكياء فى المقدمة.