الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 33

لغة الجينات 33

«الكبر»  شعور خادع بالاستعلاء، مصحوب باحتقار الناس والترفع عليهم.. فى الظاهر يضع المتكبر نفسه فى مكانة أعلى من الآخرين.. ويظهر ذلك بوضوح   فى سلوكه.. كلامه.. حركاته.. سكناته..زلات لسانه.. وحتى فى  طموحاته وأفكاره، خاصة لو كانت لديه سلطة أو نفوذ.. وفى الباطن يقاسى بشدة لإخفاء حقيقة جيناته الخبيثة.. يرفض الحقيقة، يسىء الظن فى كل الناس، يكذب فى مدح نفسه، يتباهى ويفتخر بأخلاق ليست فيه، سريع الغضب والانتقام، يتحكم فيه حب السيطرة، ولديه قدرة عجيبة على تبرير أخطائه.



«المتكبر»  فى الظاهر  مش لازم يكون شخصية اجتماعية أو مشهورة.. أو ناجحة.. ممكن يكون شخصية خجولة ومنطوية وبتكره الظهور فى العلن.. وبتتحرك وتدير كل شىء فى الظلام.. لكن فى الباطن دائمًا حاسس أنه  عظيم ومميز ومفيش زيه ولا فيه حد بيعرف يفكر غيره.... دايما محتاج  مدح وتقدير وتعظيم وكلمات إجلال وتفخيم.. وطول الوقت  بيتكلم عن نفسه وإنجازاته وأعماله ومواهبه الفذة الفظيعة المريعة.. وعلشان كده بيلم حوله أشباه الموهوبين والفشلة علشان يكونوا تحت أمره ويساعدوه  وينفذوا طلباته.

«المتكبر» فى الظاهر إنسان محب لنفسه.. يسعى  إلى تجميل ذاته.. يرى نفسه شيئًا كبيرًا للغاية... يريد أن يكون محور كل الأحاديث والأشياء.. وفى الباطن يكون «الكبر»  ناتجاً عن شعوره  بالنقص.

«الكبر» لا يعرفه أصحاب الجينات الأصلية.. جيناتهم دلتهم على التواضع.. فى الظاهر المتواضع شخص خجول.. عف اللسان.. وفى الباطن «التواضع» صفة من أجلّ الصفات التى يتصف بها الإنسان، وهى تدل على طهارة النفس، وتدفع إلى المودة والمحبة والمساواة بين أفراد المجتمع، وتنشر الثقة والترابط الإنسانى بينهم، وتمحوالحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس.

الشيخ «سيد النقشبندى» قارىء القرآن وأحد أشهر المنشدين والمبتهلين فى تاريخ الإنشاد الدينى حباه الله بجينات أصلية جميلة جعلته لا يتردد فى إعطاء كل ذى حق حقه.

«النقشبندى» الذى لقب بـ«سلطان المداحين»، فى الظاهر منشد مشهور.. صوته يأسر قلوب الملايين.. وفى الباطن صوفى معتز بنفسه لأبعد الحدود.

فى الظاهر ذهب الشيخ النقشبندى لحضور حفل خطوبة ابنة الرئيس السادات.. وفى الباطن كان القدر يرتب له لقاء مع العبقرى بليغ حمدى ليصنعا ومعهما الشاعر الكبير الرائع عبدالفتاح مصطفى واحدة من أجمل وأشهر الابتهالات «مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى».

وقتها السادات قال لبليغ حمدى: «عاوز أسمعك مع النقشبندى»، وكلف الإذاعى حمدى  الحكيم بفتح استوديوالإذاعة لهما.

فى الظاهر غضب الشيخ النقشبندى وفى الباطن وافق محرجًا وتحدث مع الحكيم بعدها قائلا: «ماينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة»،.. اللحن سيفسد حالة الخشوع التى تصاحب الابتهال،.. وأكمل  على آخر الزمن يا وجدى «هاغنى»!... وقتها بليغ قال له: «هعمل لك لحن يعيش 100 سنة».

طلب الشيخ الجليل من الحكيم الاعتذار لبليغ، ولكن الحكيم استطاع أن يقنعه بأن يستمع فى الظاهر  إلى ألحان بليغ، واصطحبه إلى استوديو الإذاعة وفى الباطن اتفق معه على أن يتركه مع بليغ لمدة نصف ساعة ويدخل عليهما فإذا خلع  النقشبندى عمامته فإن هذا يعنى أنه أعجب بألحان بليغ وإن وجده  ما زال يرتديها فيعنى ذلك أنها لم تعجبه ويتحجج بأن هناك عطلًا فى الاستوديو لينهى اللقاء. 

دخل الحكيم   فإذا بالنقشبندى قد خلع العمامة والجبة والقفطان. وجلس على الأرض يصرخ: «ياوجدى بليغ ده جن».

فى الظاهر كان الشيخ النقشبندى يرفض بليغ وألحانه.. لكن جيناته الأصلية فى الباطن دفعته للاعتراف بعبقريته.. لم يأخذه الكبر والتكبر والإصرار على رأيه حتى لوكان خاطئا.. بالعكس اعترف بعبقرية بليغ. 

وأنشد «مولاى انى ببابك» وتتبعها 5 ابتهالات أخرى، دون أن يتقاضى الاثنان أجرا على الإطلاق، وتصبح هذه الابتهالات علامة من علامات شهر رمضان الكريم.

«النقشبندى» بعدها لم يكن يترك مناسبة إلا ويشيد ببليغ حمدى  قائلا: «لومكنتش سجلت ألحانه مكنش بقالى تاريخ بعد رحيلى».

اعلم أن لأصحاب الجينات الأصلية  فى الظاهر  قلوب لا تفهم الكبر، وعيون لا تبصر القبح، ووجوه لا تعرف الظلام، وفى الباطن وببساطة يعيشون بقلوب الأطفال البريئة التى لم ينل منها خبث الحياة.

واعلم أنك إذا طلبت الرفعة فلن تجدها إلا فى التواضع، وإذا طلبت المروءة فلن تجدها إلا فى الصدق، وإذا طلبت الشرف فلن تجده إلا فى القناعة، وإذا طلبت الراحة فلن تجدها إلا فى الزهد.

واحذر.. فإذا احتاج اللئيم تواضع فى الظاهر وتقرب، وإذا استغنى تجبر وتكبر.