الإثنين 28 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إعلانات والأجر  على الله!

إعلانات والأجر على الله!

«جلست أمام جهاز التليفزيون محددًا من البداية ما أريد أن أشاهده وأتابعه، لا أفلام ولا مسلسلات ولا برامج ولا حتى نشرات أخبار أريد متابعتها، أتطلع فقط لمعرفة حال بلدنا وأعرفه من إعلاناتها، فالإعلانات خصوصا فى التليفزيون والصحف مكلفة للغاية والذين يعلنون لديهم بالطبع ما يريدون الإعلان عنه، لكن قبل ذلك لديهم الأموال اللازمة لتسديد ثمن إعلاناتهم، ثم إن الإعلانات لا ترفع الضغط، ولا يوجد من يدفع لكى يعلن للمشاهدين خبرًا سيئًا!!



كلها أشياء مبهجة كلها سلع أو خدمات مغرية، والإعلانات عنها تكون غالبا راقصة لا أعرف لماذا؟! وبين إعلان وآخر يقدم لك المعلن نفسه من خلال نجوم مسرح أو سينما رأوا فلوس الإعلانات أسهل وأكثر من فلوس الفن فاختصروا الطريق إلى داخل بيوتنا.. نحن نشترى السلع وهم يقبضون العمولة فى حين أن المعلنين يفوزون بالأرباح!

هى إذن سهرة للتسلية كبداية، هى أيضا هواية أمارسها بين وقت وآخر حتى فى رحلات خارج مصر».

لست أن المقصود بتلك السطور السابقة بل هو كاتبنا الكبير الأستاذ «محمود عوض» عندليب الصحافة المصرية ومغردها، والسطور جاءت ضمن مقاله البديع «إعلانات والأجر على الله»، وهو أحد فصول كتابه الممتع بالعربى الجريح صدر عن دار المعارف سنة 2006 - مقال الأستاذ «محمود عوض» دراسة مهمة ومعمقة عن سطوة الإعلان وقوته فى كل زمان ومكان ويقول: أتذكر أننى ذات رحلة مبكرة إلى الولايات المتحدة وكندا قضيت فيها شهورًا لدراسة الشخصية المصرية المهاجرة ومدى تفاعلها مع  المجتمع الأمريكى أو  الكندى الذى هاجرت إليه، الدراسة نشرت بعض حلقاتها فى «أخبار اليوم» ثم أصدرتها فى كتاب بعنوان «مصرى بمليون دولار»، فى الكتاب فصل بعنوان «مستر أمريكا» حاولت فيه أن أصحب القارئ معى فى رحلة لفهم الحياة الأمريكية كما هى عليه فعلا،  مع ذلك كانت الإعلانات - وإعلانات التليفزيون تحديدًا - هى أحد الأبواب الخلفية التى طرقتها لفهم ما أراه!!

فى حينها لفت نظرى تماما أن التليفزيون بالنسبة للأمريكيين هو كالمكتبة بالنسبة للفرنسيين، والصحف بالنسبة للإنجليز والمقاهى بالنسبة للمصريين! مع فارق أساسى جدا هو: أسلوب ونوع الإعلانات التى تتخلل برامج التليفزيون الأمريكى.

فى حينها أيضا كانت محطات التليفزيون فى أوروبا تنظر إلى محطات التليفزيون الأمريكى بترفع وازدراء والسبب هو أن  المحطات الأمريكية كلها قطاع خاص وهدفها الأول تحقيق الأرباح، وبالتالى نحن أمام تليفزيون تجارى يحقق أرباحه من إيرادات الإعلانات، وحينما تقرر الاستطلاعات أن مشاهدى محطة تليفزيون الأكثر عددًا، فإن هذا يعنى إقبالا أكبر من الشركات الضخمة للإعلان فيها عن سلعة فتحقق المحطة أرباحًا أكبر! ونتيجة لذلك ابتدعت المحطات الأمريكية أسلوب حشر الإعلانات فى لحظات الذروة، بل ويجرى قطع الفيلم  المذاع أو  البرنامج أو حتى نشرة الأخبار عدة مرات بفواصل إعلانية لضمان الإذعان المطلق من المشاهد حيث إنه: أينما تكونوا تحاصركم إعلاناتنا، فمهما يكن الفيلم أو البرنامج أو الخبر المذاع فلابد أن تتخلله الإعلانات!!

الخبر عن القمر، والإعلان عن مسحوق الغسيل، الخبر عن زلزال فى اليابان والإعلان عن إعداد الشوربة، الخبر عن  رئيس الجمهورية والإعلان عن استخدام زيت الشعر لغزو قلوب النساء».

يقول الأستاذ «محمود عوض» :إنهم فى أوروبا كانوا يعتبرون هذا سوقية وقلة احترام لحقوق المشاهدين، لكن باحترام أو من غيره صاحب الفلوس حر فى شروطه وطلباته». وتلك حكاية أخرى!!