الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
أحمد بهجت والباشا وحوار الأسانسير!

أحمد بهجت والباشا وحوار الأسانسير!

ذات يوم من عام 1966 فوجئ كل الصحفيين فى الأهرام بتعيين أحد باشوات العهد الملكى فى منصب مدير مركز الأبحاث التاريخية الذى أدمج بعد ذلك فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية!



كان الباشا هو «حسن باشا يوسف» ولعل ما أثار الدهشة وقتها أن الرجل شغل عشرات المناصب المهمة فى زمن الملك فاروق وكان آخر ما تولاه قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 هو منصب وكيل الديوان الملكى ثم رئيسه بالنيابة!!

كان صاحب القرار بطبيعة الحال هو الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل «رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير الأهرام، الذى اعترف فى مقدمة كتاب أو مذكرات «كريم ثابت» بأنه قام بتسجيل شهادة حسن باشا يوسف» فى ثلاثين ساعة عن حياته وتجربته فى وظائف القصر الملكى امتدت من سنة 1938 حتى سنة 1952.. ولعل أهم انجازات «حسن باشا يوسف» هو اصدار مذكراته المهمة «القصر ودوره فى السياسة المصرية».

وقبل أن ينزل الكتاب إلى الأسواق اختارت الأهرام قلم الكاتب الكبير الأستاذ «أحمد بهجت» ليتولى الكتابة عن المذكرات، وهو ما حدث فى أهرام، 21 يناير 1983.

مقال أحمد بهجت درس في الكتابة والإنسانية معا ، عن باشا سابق من الفلول وصحفي شاب يعيش زمن وعصر الاشتراكية !! وكتب  أحمد بهجت يقول: 

«قبل أن أقدم الكتاب للقارئ، أريد أن أقدم مؤلفه للقارئ وأريد أن أحدثكم كيف ارتسمت صورته فى ذهنى قبل أن آراه أو اتبادل معه حديثًا عابرًا..

كنا نسمع عن «حسن باشا يوسف» كاتم سر البلاط الملكى وحامل أختام الملك ورئيس الديوان الملكى بالنيابة، كنا نسمع هذا كله ونحن محررون ننتمى بالمشاعر المتأججة إلى طبقة عمال البناء! وكانت هذه الألقاب تلقى فى روعى أن «حسن باشا يوسف» لا بد أن يكون من طينة أخرى غير الطينة التى صنعنا منها!

وكانت الصورة الغثة التى تنقلها لنا السينما عن الباشوات تصورهم وهم يركبون خيلهم ويعدون بها وسط الأطيان فى طريقهم لجلد فلاح متمرد جرؤ يومًا على رفع أبصاره فى وجه الباشا.. ثم جاء يوم كنت أدخل فيه الأسانسير فى الأهرام وفوجئت بحسن باشا يوسف يدخل الأسانسير معى! تهيأت لدخول الأسانسير كالعاصفة حين وقف ولكننى فوجئت بحسن باشا ينتظر حتى تدخل السيدات أولاً!!

صعد بنا الأسانسير ورحت أتامل ملامح وجهه.. كان هادئًا رصينا تبدو عليه علامات الباشوات، ولم أكن أعرف ما هى ملامح الباشوات، ولكننى رجحت أنه باشا حقيقى حين تجاذبت معه أطراف حديث سريع أثناء صعود المصعد.. كان محدد العبارة شديد الحياء والأدب، وأذكر يومها أننى حكيت لزملائى هذا اللقاء، وأشرت فيه إلى أدب الباشا الشديد وتحسرت على سوقية عمال البناء من المحررين الأشقياء أمثالنا!

ومرت الأيام وعرفت أن حسن باشا يوسف مشغول بتأليف كتاب عن دور القصر فى السياسة المصرية.. وتمنيت أن اقرأ هذا الكتاب لأكثر من سبب، أولها أن للماضى سحرًا لا يمكن إنكاره، وخاصة إذا كان المتحدث عن هذا الماضى إنسانًا يجلس فى موقع يتيح له زاوية رؤية أكبر من الزاوية التى رأينا منها الأحداث!

أما السبب الثانى فهو الأدب الجم المعروف عن «حسن يوسف الكاتب»، إنه يكتب كما يتحدث وكما يعيش! بهدوء بالغ.. وأدب كامل ومراعاة لمشاعر وحساسية من يكتب عنهم، واستقصاء للحقيقة كما يراها من وجهة نظره وهى وجهة نظر تحس أنك تختلف معها أو تتفق ولكنها على أى حال جديرة بالقراء.. أخيرًا وصلنى الكتاب».

وعلى مدى صفحة كاملة استعرض الأستاذ أحمد بهجت الكتاب قائلاً: لن نقدم عرضًا لكل فصول الكتاب حتى لا نفسد على القارئ متعة القراءة وإنما سنقدم فقط حدثًا واحدًا من الأحداث التى يضمها الكتاب وهو حريق القاهرة».

وأظن أن مقال أحمد بهجت كان دافعى لشراء الكتاب عند صدوره، شكرًا أستاذ أحمد، شكرًا معالى الباشا «حسن يوسف»!