الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عبد من عبادنا

عبد من عبادنا

فى القراءة الأسبوعية لسورة الكهف نتوقف جميعًا عند الأحداث التى تبدأ مع الآية 65 بظهور سيدنا الخضر والذى تصفه الآية على لسان رب العالمين بأنه عبد من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما.



ثم يأتى طلب سيدنا موسى لهذا العبد الصالح ليرافقه على أن يعلمه مما علم رشدًا.. الأحداث التالية فى خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لم يحتملها سيدنا موسى ولم يستطع عليها صبرا فكانت التفسيرات بأن الخرق حماية لأصحاب السفينة والقتل حماية للأهل من الطغيان وإقامة الجدار كانت حماية لغلامين يتيمين.

التعبير القرآنى البليغ يختلف فعند شرح سبب الخرق استخدم كلمة «فأردت» وعند شرح سبب القتل استخدم كلمة «فأردنا» وعند شرح سبب إقامة الجدار استخدم تعبير «فأراد ربك» وسبب هذا الاختلاف ليس لوجود إرادتين-إرادة للعبد الصالح وإرادة لله- بل الأمر كله تم بإرادة الله ولكنه التأدب فى التعبير فعندما كان يبدو أن الفعل شر تام-خرق السفينة بالرغم من إحسان أصحابها لهم - استخدم تعبير «فأردت» أما عندما كان القتل وهو فعل مذموم ومكروه وكان معه إبدال بطفل آخر بار بوالديه فإن التعبير المستخدم هو «فأردنا» حيث نسب الجزء الأول المذموم إلى نفسه والجزء الثانى المحمود إلى الله أما الموقف الثالث وهو إقامة الجدار فلأنه فعل محمود تماما  فإنه قد نسبه كله إلى الله «فأراد ربك».

نرى هذا التأدب فى التعبير القرآنى جليًا فى مواضع أخرى كثيرة منها سورة الشعراء بداية من الآية 78 حيث يتحدث سيدنا إبراهيم إلى قومه عن رب العالمين مستخدمًا تعبيرات «خلقني» و«يهدين» و«يطعمنى» و«يسقين» و«يميتنى» و«يحيين» أما عندما تحدث عن المرض فاستخدم صيغة البناء للمجهول «وإذا مرضت» ثم عاد إلى إظهار فعل الله فى المنة بالشفاء قائلا «فهو يشفين».

عودة إلى قصة سيدنا موسى والعبد الصالح تلك تبين لنا حقيقة سنن الله فى كونه وإرادته الفاعلة والتى لا تستوعبها عقولنا المحدودة فالثلاثة مشاهد كلها خير وهى تدعونا للتفكر فى باقى الأمور سواء العامة أو التى حدثت لكل منا بصورة شخصية فما نراه من ابتلاءات ومواقف صعبة تصيبنا بالجزع مثل الوفاة والفقد والمرض وضيق ذات اليد وباقى صعوبات الحياة نجد بعد مرور الزمن أن ما حدث كان هو الخير كله وهو أمر جلى توضحه الآية 78 من سورة النساء: 

«أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِى بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ■ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ■ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ■ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ■ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا» صدق الله العظيم.