الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 47

لغة الجينات 47

فيه نوع من الاستغناء،لا يعرفه إلا أصحاب الجينات الأصلية.. فى الظاهر يشعر فيه الشخص أنه غنى بنفسه وليس بما يملك.. وفى الباطن يستمد قوته من ذاته.. من مواهبه وقدراته.. هذا النوع من الاستغناء يمنعك من المضى فى أى طريق، والرضا بأى حياة والقبول بأى خيار.. يدفعك دائما،إلى الترفع.. عدم مقارنة نفسك بأى شخص... لاتتملق ولا تسلك طرقًا ملتوية للحصول على حقوقك.



«أصحاب الجينات الخبيثة» لا يعرفون الاستغناء.. فى الظاهر يداهنون ويتملقون وينافقون.. عايشين جنب الحيطة.. ليس لهم رأى فى أى شىء.. وليس لهم موقف من أى شىء.. مريحين وبيسمعوا الكلام.. وبينفذوا الأوامر بالحرف.. وفى الباطن بيجروا ورا مَنصِب، وبيسعوا ورا مصلحة، وبيتقربوا لصاحب أى نفوذ أو قوة.. بيقبلوا المساومة.. وبيشوفوا المساومة ذكاء ودهاء، بيشوفوا التنازلات خطة وطريق للوصول.

«الاستغناء» يؤدى إلى الرضا.. و«الرضا» كنز من كنوز الحياة، فى الظاهر هو نوع من القنوع وفى الباطن راحة وسعادة، نظرة إيجابية وتفاؤل،.. قناعة بما يملك ثقة كبيرة بأن ما يستحقه آتٍ لا محالة... قناعة أن مناصب الدنيا كلها لن تغيره.. ولن تنال من قدرته على الاستغناء.

الشيخ جاد الحق على جاد الحق.. شيخ الجامع الأزهر واحد ممن امتلكوا الجينات الأصلية العظيمة.. حياته كلها قامت على الاستغناء والرضا.. فى الظاهر تولى الكثير من المناصب وفى الباطن لم تغير فيه شيئاً لا فى طباعه ولا فى تعاملاته مع الناس ولم تختلف حالته المالية فى أيامه الأخيرة عن تلك التى كانت فى بداية حياته العملية، ففى كلتا الحالتين كان موظفاً يتقاضى راتبه دون مكافآت أو حوافز، كما لم يكن يحصل على أية أموال تأتيه مقابل أبحاثه وكتبه القيمة فقد كان يجعلها كلها فى سبيل الله... معلنًا استغنائه عن زخرف الحياة.

«الشيخ جاد الحق» فى الظاهر يمتلك كل شىء.. المنصب الذى يشغله كشيخ للجامع الأزهر يفتح له كل الأبواب.. يمكنه من الوصول إلى كل ما يريد.. وفى الباطن بقى هو نفسه الرجل البسيط الذى لا يريد من الدنيا شيئًا، ويستغنى عن كل شىء.. راضيا ومطمئنا.. حصل على جائزة الملك فيصل فتبرع بها كلها لبناء مستشفى فى قريته «بطرة» التابعة لمركز طلخا والتى تبعد عن المنصورة بحوالى 17 كيلو... بل أيضا باع كل ما ورثه من أبيه لشراء أرض بنى عليها مسجدًا وحضانة ودار مناسبات، ومستوصفًا طبيًا ومكتبة،ولم يسعفه الوقت لافتتاحه رسميا.

الشيخ جاد الحق فى الظاهر والباطن لم يحكمه المنصب الذى يتولاه.. لم يمسك العصا من المنتصف.. لم يحسب كل خطوة وكل كلمة.. كان يجهر بما يعتقد أنه الحق وكانت له مواقفه الشجاعة فى كثير من القضايا.

الشيخ جاد الحق فى الظاهر كان متواضعًا سمحًا رقيقًا هادئًا... لكن رغم تواضعه وسماحته وهدوئه كان عند اللزوم صلباً فى الحق ولا يتزحزح عنه قيد أنملة... يصمد دفاعًا عن الإسلام الصحيح ويؤمن بالحرية، ويرى أن الإسلام هو الديمقراطية، والديمقراطية هى الإسلام، ويؤكد أن الإسلام الحقيقى هو حقوق الإنسان وأنه دين لايعرف الاستبداد ويرفض الطغيان.

الشيخ جاد الحق فى كل مواقفه كان واحدًا.. سواء كانت عامة أو خاصة.. جاءه ابن شقيقه ليطلب منه أن يساعده فى تمديد إعارته للسعودية بعد انتهائها فقال له: «ليس جيدًا أن يأخذ ابن جاد الحق حق غيره» ورفض الطلب.

«الإمام الأكبر» كما رفض أن يأخذ ابن شقيقه حق غيره.. رفض تدويل الحرمين الشريفين وأفتى بأن هذا الأمر لاتجيزه شريعة ولا يبيحه قانون.. ورفض مقررات مؤتمر للسكان التى تبيح الإجهاض، وبفضل شجاعته أصدر بيانًا من الأزهر الشريف باسم المسلمين وبصفته إماماً لهم.. وكان هذا البيان سببًا لتراجع الكونجرس الأمريكى عن تأييد قرار الرئيس الأسبق بيل كلينتون بشأن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.

«الإمام الأكبر» فى الظاهر يتولى منصبًا دينيًا كبيرًا تحكمه السياسة.. وفى الباطن لم يتردد لحظة فى الرفض وبشكل قاطع لقاء الرئيس الإسرائيلى عيزرا وايزمان خلال زيارته للقاهرة، ورفض سياسة التطبيع مع إسرائيل طالما ما زالت تحتل الأراضى العربية. ورفض زيارة المسلمين للقدس بعدما أفتى بعض العلماء بجواز ذلك بعد عقد اتفاقية أوسلو عام 1993م بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.

اعلم أن الاستغناء قوة.. فى الظاهر جبروت المستغنى مخيف.. وفى الباطن يسلمك الاستغناء إلى الرضا وقدرتك على الانتقال من حالة التعلق إلى حالة الترفع.. ومن حالة الانشغال بما هو أقل أهمية مهما كان من خيارات الدنيا،إلى الرضا عن نفسك وأنك غنى بنفسك وما تملك من مواهب وقدرات.

اعلم أن استغناءك سيظل الشوكة فى حلق كل أصحاب الجينات الخبيثة.