
هند سلامة
فتحى عبدالوهاب.. عاشق النور
يبدأ العشق بالمفاجأة والرهبة وسوء الظنون؛ ثم ينتهى بتحقق الأمان والبهجة؛ خشى الفنان فتحى عبد الوهاب وهو طفل صغير شعاع النور الممتد من كبينة السينما لشاشة العرض؛ امتلك جده سينما صغيرة فى قرية بالقليبوبية كان عبدالوهاب يواظب فى أيام عطلته على حضور أفلامها المتنوعة ودائما ما ينظر مراقبا شعاع النور البارز فى الظلام خاشيا أن يخطفه الشعاع ويسحبه إلى داخل الشاشة؛ ثم يجد نفسه بين أبطال العمل السينمائي؛ تورط فى ظنونه الملهمة.. «ماذا لو خطفنى النور إلى الشاشة وأصبحت أحد أفراد الفيلم»؟!
تحقق خيال الطفل الصغير وخطفه النور إلى تلك الشاشة بلا عودة؛ استمر هذا الظن أيام طفولته لكنه لم يكن يعلم أن خوفه سيتحول يوما ما إلى حب وعشق لا ينتهى لشاشة السينما والتليفزيون؛ التى سحبته سحبا إليها وأصبح عبد الوهاب من العلامات والقامات الفنية البارزة والمنيرة على تلك الشاشة الصغيرة؛ فى هذا العام يطل علينا من خلال هذا النور السارق؛ فى أحد أهم أعمال دراما رمضان «القاهرة كابول»؛ يتحول ويتلون ويتجول عبد الوهاب بخياله السارح داخل نفس وأعماق نموذج الإعلامى الآفاق الذى يستغل كل حدث ليغتنم من ورائه شيئا؛ غير عابئ بمبادئ أو أخلاقيات؛ هو رجل يبحث عن نفسه فى كل حادث جديد؛ يتبدل ويتشكل حسب تبدل الواقع والأحداث لا يستقر على قناعة أو مبدأ؛ قناعته الميل مع الريح ومبدأه الهوى؛ يسير فى الطريق الآمن لتحقيق مصالحه مع من له اليد العليا اليوم يعيش على فكرة الفوضى الخلاقة.. فهو مؤمن بأنه كلما سادت الفوضى زادت الحروب واشتعل العالم وسطعت نجوميته.
هذه المبادئ والقناعات التى اتخذتها شخصية «طارق كساب» فى «القاهرة كابول» لم يكتف عبدالوهاب بتجسيدها وسردها من خلال حوار المؤلف عبدالرحيم كمال؛ بينما حرص على تشخيصها تشخيصا جسديا؛ ظهرت على هذا الرجل كل ملامح النفاق والتلون والكذب والاستغلال؛ فى حركات جسده؛ تعبيرات وجهه الساخرة والمستهزأة بأفكار وأحاديث أصدقائه عن العدل والحب والرغبة فى رفع الظلم وانتهاء الحرب والإرهاب؛ ثم ضحكته الدائمة الواثقة؛ وإمساكه بالسيجارة التى يحرص على تدخينها بأداء من وصل إلى اليقين بصحة وجهة نظره فى الحياة واحتقاره لأحلام الرومانسيين؛ ثم يأتى بروزه الإعلامى أمام الكاميرا والقائه الحماسى لبيانات هامة أو انفراده بحدث جلل ووصوله إلى ما لم يستطع غيره التمكن من عرضه على شاشات التليفزيون؛ هنا نجده يمثل على التمثيل أو بمعنى أدق يعلو أدائه فى صيغة مبالغة تماما كما نرى فى هذا النموذج من الإعلام المزيف المتصنع كشف الحقائق وامتلاك الكلمة؛ ممثل رسخت قدماه على أرض ثابتة يسير بالشخصية كفارس الخيل الذى يطير بها إلى أبعد مدى لا ينظر حوله؛ رغم سباق الخيول الدائر بهذا العمل الدرامى الأهم بين مبدعين كبار شاركوه نفس الدقة والاحتراف؛ خيول جامحة تجرى بسرعة الصاروخ بدقة متأنية؛ حيث جمع هذا العمل منذ يوم عرضه الأول بين الصعود السريع وعنصر الجذب الكبير الذى حققه مع بداية الشهر الكريم بالبطولة الجماعية للمشاركين فيه وبين هدوء ورصانة وثقل أداء نجومه العارفين بفن التمثيل والتجسيد؛ وليس مجرد ممارسين له؛ وكان لعبد الوهاب النصيب الأكبر فى هذه المعرفة بالخوض داخل أعماق نفس هذا الإعلامى الذى يحمل عقد فقره الماضى وقلة حيلته ثم يصبح نجما كبيرا جشع لا يكتفى إلا بالمزيد!