الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 63

لغة الجينات 63

«المتاجرة بالورع» دليل أكيد على الجينات الخبيثة التى تتحكم فى البعض.. الورع منحة ربانية لأصحاب الجينات الأصلية فليس من ﺍﻟﺴﻬل ﺃﻥ تكون ورعًا.



صاحب الجينات الخبيثة مدعى الورع فى الظاهر يبدو ﻣُﺼﻠﻴﺎً ﺃﻭ ﺻﻮّﺍﻣﺎً ﺃﻭ ﻗﻮّﺍﻣﺎً ﺃﻭ ﺩﺍﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺧﻄﻴﺒﺎً ﺃﻭ ﻣﻌﻠﻤﺎً..أو صاحب نفوذ.. أو جلسة علم وذكر وتسبيح دورية يستضيف فيها المشاهير ويجلس يبسمل ويحوقل مغمضًا عينيه نصف غمضة، مطأطأ الرأس يتحدث هامسًا بتأن شديد.. وابتسامة لزجة... وفى الباطن كاذب ومخادع..منافق، يلبس ثوب الانحناء والتدنى أمام الغير لادعاء الورع والزهد... فاسد ومفسد ، يلهث وراء شهواته.. يأكل مال النبى ويحلى بالصحابة..فما بالك بمال من يعملون معه أو أوقعهم حظهم السيئ فى طريقه.

فيه ناس تجيد المتاجرة بالورع واستعماله بحماس وكسيف مسلط على الأتباع والرعايا والمريدين والمخالفين، ويتقنون التخلى عنه والتجرد منه حسب مقتضيات الظروف ومنعطفات المصالح..

فى 2007 بولاية تكساس الأمريكية، فتح أحد رجال الأعمال محلاً للخمور بجانب بيت للعبادة ، فى الظاهر اعترض رجال الدين وكل ليلة يتوجهون بالصلاة والدعاء على الرجل.

وفجأة حدثت عاصفة تسببت فى حرق المحل..احتفل أعضاء بيت العبادة بانتصار السماء واستجابة الرب لهم.. رجل الأعمال رفع دعوى قضائية ضدهم وفى المحكمة طالب بمليونى دولار كتعويض بسبب دعائهم عليه.. رجال الدين أنكروا وأكدوا أن الصلاة والدعاء على الرجل ليس سبب العاصفة أو الحريق ولا تأثير للصلاة والدعاء على مجريات الحياة.

القاضى قال لهم:‏ «لا أعرف كيف سأحكم فى هذه القضية، ولكن يبدو من الأوراق أن لدينا رجل أعمال خمّاراً يؤمن بقوة الصلاة والدعاء ولدينا رجال دين لا يؤمنون بها».

«ورع «أصحاب الجينات الأصلية مرتبط بسلوكهم فى الظاهر والباطن يدافعون عن الحق ومنهم مرقص حنا باشا - غالبًا معظمنا لم يسمع بالاسم من قبل.

مرقص باشا حنا فى الظاهر كان وزير الأشغال وقت اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وكانت الآثار تتبع وزارة الأشغال وقتها.. وفى الباطن..وطنى.. مناضل.. مستعد لدفع حياته ثمنًا للدفاع عن شرف الأمة المصرية والحفاظ على آثارها وحقوقها... ثار ثورة عارمة عندما منع هوارد كارتر مكتشف المقبرة المصريين من دخول المقبرة بعد اكتشافها.

«كارتر» فى الظاهر قال:إنه منع المصريين من الدخول بهدف المحافظة على الآثار وفى الباطن كان بيخطط لنهب المقبرة التى لا يوجد مثلها على الكوكب و أصغر وأقل تحفة تساوى ثروة طائلة.

«مرقص حنا باشا» فى الظاهر هو أيضا رفع شعار المحافظة على المقبرة وأمر بفرض حراسة فوراً عليها لحمايتها.. وفى الباطن أعطى أوامره للضباط المصريين بتفتيش كل واحد يدخل ويخرج من المقبرة حتى هوارد كارتر نفسه.

الجرائد الإنجليزية وقتها قادت حملة تشهير وهجوم عنيف على الرجل وهو لم يتراجع أصر على موقفه الصحف البريطانية فى الظاهر قالت: عايزين مندوبيهم و صحفييهم الإنجليز يدخلوا و يخرجوا من المقبرة بسهولة حتى يتم تصوير ورصد الكنوز المصرية ليراها العالم.. وفى الباطن كانوا بيكملوا خطة كارتر لتهريب أكبر كمية ممكنة من 5000 قطعة ذهبية وجدت كاملة فى المقبرة لأول مرة فى التاريخ.

«مرقص باشا حنا» لم يهتم بالهجوم و لم يرضخ بل شدد الحراسة و منع دخول الأجانب إلا بتصريحات خاصة مختومة و تفتيش دقيق من الحرس المصرى على باب المقبرة.. وأمر بتسجيل كل أثر وكل تحفة فى المقبرة رغم أنف كارتر وحفظها لمصر وللمصريين.

بعد حدوث خلاف كبير حول ملكية المقبرة ومساندة الصحف الإنجليزية لكارنافون ممول عملية الحفر فى أحقيتهما فى آثارها.. مرقص باشا حنا لم يكتف بتفتيش كل من يدخل إليها فالرجل أمر الشرطة المصرية بالسيطرة على الموقع بالكامل وتغيير الأقفال وهو ما حدث بالفعل.

فى مارس 1924 حكمت المحكمة المختلطة فى القاهرة لصالح كارنارفون، ولكن حكومة سعد زغلول رفضت تنفيذ الحكم ونقضته فى محكمة استئناف الإسكندرية وقدم مرقص حنا باشا مستندًا مهمًا أفسد به مخطط كارتر لنهب نصف محتويات المقبرة.

«كارتر» كان قد رسم خطة الاستيلاء على نصف محتويات المقبرة بالفعل لكن تصريح التنقيب الذى قدمه وزير الأشغال المصرى كان ينص على أن يتم تقسيم تحف المقابر التى يتم العثور عليها مناصفة بين مصلحة الآثار وصاحب الترخيص مكافأة له، وذلك فى حالة ثبوت تعرض المقبرة للسرقة فى أزمان سابقة، أما فى حالة اكتشاف «مدفن سليم» وكامل فإنه يؤول بكامل محتوياته إلى السلطات المصرية... ولذلك كان حرص الوزير المصرى على تعيين حراسة وتغيير الأقفال لتبقى المحتويات كاملة.

محكمة الإسكندرية بعد هذا المستند حكمت بأنه ليس من حق المحاكم المختلطة التدخل فى قرارات الحكومة المصرية..و تمت مناقشة الأمر فى البرلمان الإنجليزى وخاف البرلمان من اندلاع ثورة جديدة فى مصر ، فأصدر قراره بأن كارتر يمثل نفسه وليس الحكومة البريطانية.

«ورع» مرقص باشا حنا كان حقيقيًا فى الظاهر والباطن.. دافع عن بلده لآخر يوم فى عمره.. كان أول نقيب للمحامين المصريين وتم نفيه مع سعد زغلول لدفاعه عن وطنه..وتم الحكم عليه بالإعدام وتخفيف الحكم فيما بعد.

مرقص باشا حنا توفى بعد فترة مرض قصيرة فى سنة ١٩٣٤ وخرجت مصر كلها تودعه.

احذر من الورع الكاذب وادعاء الوطنية والإخلاص.. فالورع المزيف قناع يلبسه صاحب الجينات الخبيثة فى مواقف تافهة، ليبدو دائمًا بصورة مثالية من الخشوع والسكينة.

واعلم أن الورع الحقيقى يحتاج إلى صبر ومغالبة ومثابرة، وجهاد نفس، والتضحية بالنفس والمال والوقت والجهد.