السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عودة القوى الناعمة المصرية

عودة القوى الناعمة المصرية

لم تعد قدرة الدول وقوتها فى السياسة الدولية تقاس بقدراتها العسكرية أو الاقتصادية، أوقدرتها على الضغط على الدول الأخرى من أجل تحقيق أهدافها،  وهو ما عُرِف بالقوة الخشنة. لكن، مع الوقت، وجدت الدول الكبرى أن هذا الأمر مكلف جدًا، وأحيانا لا يحقّق أيضًا النتائج المستهدفة. لذلك، بدأت تستخدم مصادر أكثر مرونة فى الضغط والتأثير فى الدول. وهو ما عُرِف بالقوة الناعمة.



وذات يوم كانت قوة مصر الناعمة وهى الأزهر، الكتّاب، السينما، المسرح، الموسيقى وغيرها فى أوجها، وفرضت مصر، من خلال تلك القوة الناعمة والقادرة على الاستقطاب والإقناع، سيطرتها ونفوذها على المنطقة بأسرها، طوعًا

فماذا حدث للقوة الناعمة المصرية الآن؟ هل انتهت؟ 

يرى عدد من المراقبين أن كل القوة الناعمة فى مصر أصابها تراجع وتَرَدٍّ. والأسباب ترجع إلى التغييرات الاجتماعية الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى التأثير السلبى لثقافة النفط التى أثّرت فى الثقافة المصرية، بما فيها الثقافة الدينية الوسطية التى تأثرت بأنماط خطابية فقهية محافِظة أو متزمّتة.

يضاف إلى ذلك، أيضًا التنافسُ بين دول الإقليم العربى فى وراثة الدور الثقافى المصرى، لا سيما من خلال استلهام التجربة المصرية وبعض مكوناتها وبنيتها الأساسية، وبروز أدوار ثقافية فى بعض دول المنطقة فى إنتاج المعرفة، إلى جانب بروز ضغوط على عمليات الإبداع والبحث الأكاديمى. 

إذا نظرنا إلى الأسباب التى ساهمت فى انسحاب القوة الناعمة المصرية وتراجعها، فنيًا أو موسيقيًا، على سبيل المثال، فسنجدها بوضوح فى استيعاب الملحنين والفِرَق الموسيقية فى إطار دعم الثقافة الفولكورية الخليجية، والمطربين والمطربات القادمين من هذه المنطقة، ومساهمة بعض القنوات الفضائية - فى إطار سياسة محدَّدة - فى شراء أغلبية ميراث السينما المصرية، وتحتكر بثه عبر بعض قنواتها الفضائية المتخصِّصة، بالإضافة إلى استيعاب الغناء المصرى الحديث، بقيام بعض الشركات بتوقيع عقود احتكار مع بعض المطربين والملحنين المصريين فى مقابل أجور ضخمة.

على الرَّغم من محاولة تقزيم مصر وثقافتها على مدى سنوات طويلة، طوال ما يقرب من نصف قرن، فإن القوة الناعمة، كما قال المفكر الكبير الراحل د.جلال أمين، لا يمكن أن تغيب، لأنها جزء من صميم المجتمع.

فالمسرح، مثلًا فى مصر، على حدّ قوله، موجود دائمًا. لكن، إمّا أن يكون لديك يوسف وهبى ونجيب الريحانى، وإمّا أن يكون لديك مسرح يلبّى رغبات السياح العرب. 

والموسيقى موجودة دائماً، لكنها إمّا أن تكون موسيقى زكريا أحمد والسنباطى وعبد الوهاب، وإمّا أن تكون موسيقى هابطة لا تصلح إلاّ للرقص البدائى.

مع محافظة الدراما المصرية على وجودها وتأثيرها، عربيًا وإقليميًا، فإنّها انسحبت، خلال سنوات ماضية، ولو جزئيًا، لمصلحة الدراما التركية، التى غزت الفضاء العربي، وتم توظيفها سياسيًا من جانب تركيا من أجل محاولة بَسْط هيمنتها ثقافيًا على المنطقة العربية، وفق النظرية التركية المعتمِدة على فكرة دولة الخلافة العثمانية، ونشر قيم العثمانية الجديدة. 

تراجعت أيضًا قوة مصر الناعمة فى صناعة الكتاب نتيجة أسباب متعدِّدة، منها شدة الفقر، وعدم عناية الدولة بتنمية صناعة الكتاب، وانتشار الفساد فى عدد من الأروقة الثقافية على مدى سنوات طويلة ماضية، وفى مناخ لم يكن فيه للدولة وعيٌ بأهمية صناعة الكتاب، وتشجع الناشرين.

حتى على المستوى الرياضى، فإن مصر، منذ سنوات بعيدة، كانت الرياضة جزءًا من قوتها الناعمة، وخصوصًا فى محيطها، عربيًا وإفريقيًا. وكانت، وما زالت حريصة على تصدُّر كل بطولات الألعاب الإفريقية، الأمر الذى جعل مصر قِبْلة الرياضيين الأفارقة والعرب، فالفوز لم يكن مجرد فوز فى مباراة كرة قدم، بل كان تعبيرًا واضحًا عن قوة مصر الناعمة فى الرياضة، والذى نجح من خلالها نادى الإسماعيلى فى أن ينقل صورة مغايرة لمصر وقواها بعد هزيمة عام 1967..

إلاّ أننا تخلَّفنا نسبيا فى إبراز قوتنا الناعمة مع أى إنجاز رياضى حقيقى. فإذا كانت دول العالم تستخدم أسماء، مثل رونالدو وميسى وفيدرر ويوسن بولت، وغيرهم كثيرًا من أسماء الأبطال، جنودًا فى حربها الناعمة، فمصر، على الرغم من وجود محمد صلاح ونور الشربينى والشوربجى ومحمد إيهاب وهداية ملاك وسارة سمير وغيرهم، تحتاج إلى العمل الجاد من أجل تطوير قواها الرياضية، إذا رغبت فى أن تكون فعلًا إحدى قواها الناعمة، ليس فى إفريقيا فحسب، بل فى كل أنحاء العالم أيضًا.