الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف إدريس وحمى الحركة الفنية!

يوسف إدريس وحمى الحركة الفنية!

«المناخ الفنى والأدبى عامر بالتفاهات والأعمال المسلوقة والقيم المهدرة والزعيق والمدعين، وفى مثل هذا الجو يموت الفن الحقيقى وتتكفل مئات الدبابير بقتل النحل النادر المنتج، أما من شجاع واحد يقول كلمة الحق فى هذه القضية المحمومة؟!.



هكذا جاءت صرخة د.يوسف إدريس الغاضبة على صفحات جريدة الجمهورية فى ستينيات القرن الماضى فى مقال له عنوانه «نحن فى حاجة إلى كمادات» ومضى يقول غاضبا:

«الحركة الفنية والأدبية تمر بفترة عصيبة لم تشهد لها بلادنا مثيلا فى تاريخها»، إنها فى حالة حمى «درجة الحرارة مرتفعة لا من جودة الأعمال الفنية والأدبية، وإنما من شدة الزحام وعلو الضجة واختلاط الحابل بالنابل واندحار القيم».

أى مخبر صحفى باستطاعته بين يوم وليلة أن يكون فنانا وكاتبا ويقدم أعمالا للسينما والمسرح والإذاعة والتليفزيون، أى إنسان قرأ كتابا عن الإخراج باستطاعته أن يخرج أعمالا «فنية» يحتار فى تقييمها النقاد! أى إنسان يفك الخط باستطاعته أن يؤلف أغنية تقبلها الإذاعة وتصبح من مختاراتها، أى مجموعة مقالات باستطاعتها أن تصبح كتابا محترما يناقشه النقاد فى البرنامج الثانى وأعمدة النقد! أى بطل حلقات باستطاعته أن يؤلف قصصا ويضع نفسه على قدم المساواة مع «شابلن»، أى عازف السيمفونية، أى صاحب نجمة أو زوجها باستطاعته أن يكون ممثلا ونجما، وأى ممثل باستطاعته أن يكون مخرجا ومنتجًا! وأى قارئ لمقال عن الاشتراكية باستطاعته أن يكون كاتبا اشتراكيا! وأى كاتب يوميات باستطاعته أن يؤلف للمسرح والسينما والإذاعة، وأى عائد من الخارج باستطاعته أن يكون عبقريا ودكتورًا فى الإخراج، وأى إنسان باستطاعته أن يكون أى شيء فى أربع وعشرين ساعة وربما أقل!

وأنا لا أعتراض لى على هذا كله، ولا أطالب أبدًا بإيقافه، فمن حق كل إنسان أن يعتقد أنه يصلح لأى عمل وأن يزاول هذا العمل بالطريقة التى تحلو له، بل نحن فى حاجة إلى آلاف من الممثلين يجربون أنفسهم فى الكتابة، وآلاف من الكتاب يجربون أنفسهم فى التمثيل، وآلاف من نجوم الكرة يلعبون فى البلاتوهات، وآلاف من مقدمى البرامج يصبحون مخرجين، وآلاف من الباعة الجائلين يحترفون الغناء، وآلاف من راقصات الكباريهات يصبحن منتجات، وآلاف من المنتجين يزاولون الاقتباس والتأليف.

كل هذا جائز بل وواجب، فمن حق أى مواطن أن يعتقد أنه فنان، وأن «يفنن» وأن يحاول أن يجد لفنه جمهورا.

بعد تلك السطور الغاضبة من د.يوسف إدريس يقول:

أما الشىء الذى أعترض عليه حقيقة.. الظاهرة التى جعلت من هذه الفوضى «حمى»، ووصلت بوجداننا الفنى إلى حد الهلوسة والتجريف، فهو موقف النقاد من هذا كله أو بالأصح موقف الحركة النقدية!

فالحركة النقدية فى كل بلاد العالم تقف موقف الغرابيل والمناخل من الإنتاج والمنتجين، وهو موقف حيوى وخطير.. فلولا الغرابيل والمناخل فى المطاحن لأكل الناس الخبز مختلطا بالطوب والزلط والداتورة ولأصيب الناس بالتسمم وعاش آخرون فى حالة غيبوبة!

أنها ظاهرة صحية هذه الكثرة من الإنتاج، هذه الرغبة فى الفضفضة، فلقد عاش مجتمعنا أحقابا طويلة يكتب ويتقوقع على مشاكله وأمراضه وأوجاعه، وما يحدث الآن أن هو إلا محاولات لطرد هذه الأمراض من الأورام إلى الخارج تمهيدًا للتخلص منها وللتحرر من قبضتها ولتطهير جوف المجتمع».

ويستمر يوسف إدريس فيقدم الحل؟! وهو ما يحتاج لمقال آخر!!