الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
طه حسين و«هارب من الأيام»!

طه حسين و«هارب من الأيام»!

أظنك شاهدت الفيلم الرائع والعبقرى «شىء من الخوف» بطولة العملاق «محمود مرسى» والرائعة «شادية وإخراج «حسين كمال»، أما المؤلف فهو الأديب الأستاذ «ثروت أباظة» وليس «شىء من الخوف» هو حديثى، لكن الحديث عن رواية أخرى لثروت أباظة هى «هارب من الأيام» التى فازت بجائزة الدولة لعام 1959، ووصفها الأستاذ يوسف السباعى بأنها شىء يستحق التقدير والإعجاب.



ووسط الانتقادات التى كانت تطول كتابات ثروت أباظة الروائية، فوجئ الجميع بعيمد الأدب العربى د.طه حسين يكتب مقدمة للرواية حين صدرت فى يوليو سنة 1959 فى سلسلة الكتاب الفضى التى كان يرأس تحريرها الأستاذ يوسف السباعى، وتصدر عن نادى القصة.

فى هذه المقدمة كتب د. طه حسين يقول: أعترف بأن عنوان هذه القصة وقع من نفس موقع الغرابة، فليس الهرب من الأيام شيئًا يتاح للأحياء مهما يفعلون، إلا أن يفرضوا على أنفسهم الموت أو يفرضوا عليها الفعلة المطلقة المطبقة!

فالإنسان الحى أسير الزمن يدخل فيه منذ تشييع الحياة، ولا يخرج منه إلا حين تنقطع الأسباب بينه وبين الحياة، أو حين يضطر نفسه إلى الذهول الشامل الذى يصرفه عن كل شىء، ويقطع الصلة أو يخيل إلى صاحبه أنه يقطع الصلة بينه وبين الزمن والمكان، وما يتعاقب فيهما من الأحداث وما يلم بالأحياء والأشياء بينهما من الخطوب!!

وأنا أقدر أن الهارب من الأيام فى هذه القصة هو هذا «العمدة» الذى جعله الكاتب محورًا تدور الأحداث حوله، والذى انتهى فى آخر القصة إلى أن يترك منصبه، ويهجر القرية التى كان يدير أمرها متصلًا أو موقوتًا، ولكن هذا العمدة لم يهرب من الأيام، وإنما هرب من منصبه وهرب من القرية التى لم يحسن القيام عليها.

وأكبر الظن أن هذا العنوان إنما راق للمؤلف لأن فيه شيئا من الغرابة والغموض يروعانه هو أولًا ويروعان كثيرًا من قرائه بعد ذلك، وإن كان شىء منهما لم يروعنى! ولو أنى أطعت العنوان لأنصرفت عن قراءة القصة، ولحرمت نفسى من متعة قيمة حقًا، فقد أتيح للأستاذ «ثروت أباظة» حظ حسن جدًا من الأجادة مكنه من أن يفرض عليك المضى فى قراءتها مرتين لم أباعد بينهما فى الزمان لأنى وجدت فيها روحًا عذبًا يجرى فى ألفاظها وأسلوبها، وترتيب الأحداث فيها واستخراج بعض هذه الأحداث من بعض فى غير تكلف ولا تصنع، ودون أن يعنف بالقارئ أو يثير أمامه ضروب المشكلات التى تقفه عن القراءة هنا أو هناك.

وإنما القارئ يمضى فى قراءته مضيًا يسيرًا يوحى إليه بأن الكاتب نفسه قد مضى فى كتابه قصته مضيًا يسيرًا أيضًا لم يجد فيها شيئًا من عناء أو هو قد وجد العناء كل العناء ولكنه أستأثر به، ولم يظهر القارئ على شىء منه شأن الكاتب المطبوع الذى يجد ويكد ويشقى بالجد والكد فيما بينه وبين نفسه؛ ليقدم إلى قارئه آخر الأمر أثرًا أدبيًا قيمًا ينعم بقراءته، دون أن يحس هذا النعيم جدًا أو كدًا أو شقاءً.

ويمضى د.طه حسين قائلًا: وما أظن الواقعيين بين كتابنا من الشباب يرضون عن هذه القصة كل الرضى فهى لا تصور الواقع كما يصورونه، وكما يحبون أن يصوره غيرهم من الذين يعرضون لكتابة قصة واقعية فى تفصيلها، ولكنها ليست واقعية فى جملتها ولا فى غايتها!

من حق الكاتب أن يستجيب لخياله حتى حين ينأى به عن الواقع شيئًا، ولكن ليس للكاتب أن ينسى أن قصته تنشر على الناس فيقرؤها منهم الراشدون والقاصرون ويقرؤها منهم العقلاء والأغرار وقد ينخدع بعض هؤلاء عن بعض ما يقرأون، وقد يصادف من نفوسهم مواطن الضعف وقد يورطهم ذلك فى بعض ما يسوؤهم يسوء الناس بهم، والكاتب مسئول أمام ضميره أولًا وأمام الجماعة التى يكتب لها ثانيًا، فليس له بد من أن يستحضر تبعته حيت يكتب وحين ينشر أو يذيع!

انتهى بعض ما جاء فى مقدمة د.طه حسين!