الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف» فى بدرون أمير الشعراء!

«روزاليوسف» فى بدرون أمير الشعراء!

عندما صدرت «روزاليوسف» كان مقرها عبارة عن حجرة واحدة فى شقة السيدة روزاليوسف، وسرعان ما ضاقت الحجرة بزوار المجلة من أدباء وصحفيين!



وكان لابد من البحث عن مكان جديد للمجلة رغم الأزمة المالية التى كانت تعانيها السيدة روزاليوسف.. وتقول:

«كان لابد من استئجار إدارة جديدة وهو يعد حادثًا خطيرًا له تأثيره فى مالية المجلة، واجتمعنا ولم يطل بنا الحديث فقد تم الاتفاق على استئجار بدرون المنزل المقابل لمنزلى وكان يملكه أمير الشعراء المرحوم «أحمد شوقى بك» وهو نفس المالك للمنزل الذى كنت أقيم فيه أيضا.

وكان البدرون يحتوى على غرفتين متداخلتين وردهة صغيرة لا تتسع إلا للقليل من الأثاث وإيجاره مائتا قرش فى الشهر.

ولم يكن ضيق المكان وغرابة مدخله ليثنيان كبار حملة الأقلام والفنانين من الإقبال على زيارته المرة بعد الأخرى، وكان على «النازل» إذا كان متوسط القامة أن يثنى قامته عند اجتياز المدخل وكان هذا العيب موضع قفش بعض الآدباء، وأذكر أن المرحوم «شوقى بك» كان كلما اجتاز المدخل فاضطر إلى انحناء قامته هتف يقول:

الباب ده علمنا التواضع يا ست «روزا»!!

وكان أخوف ما أخافه وقت أن يحضر الأستاذ «العقاد» لزيارتى فيجد نفسه أمام مشكلة، فإما أن يعود أدراجه وأما أن يطوى قامته إلى قسمين ليتسنى له اجتياز الباب!

وكان المرحوم أحمد شوقى قد اتخذ جلسته المختارة ساعة العصر من كل يوم فى المجلة، وكان يحلو له حين يرى العقاد ينحنى بقامته الطويلة لكى يدخل الباب المنخفض أن يقول لى: الإدارة الجديدة علمتنا التواضع!

وتضيف السيدة روزاليوسف: أن سعادة أمير الشعراء كان على غناه الواسع وجاهه العريض يبدى دقة متناهية فى سبيل قبض الإيجار وقدره مائتا قرش صاغ، فلما ألتمسنا من سعادته أن يمهلنا بضعة أيام فى دفع الإيجار باسم  الأدب والشعر والصحافة كان سعادته يسمعنا دائما أن الأدب والشعر كوم، والفلوس والإيجار كوم تانى وبينهما برزخ واسع لا يلتقيان!

وكان شوقى إنسانا حساسا هائمًا لا يعيش مع الناس من حوله، كأنه مشدود دائما إلى شياطين محلقة فوق رأسه، كان إذا أقبل المساء يدخل إلى المجلة ليشارك فى ندواتها، وهناك على الكنبة الوحيدة المريحة يجلس فى استرخاء، وحوله العقاد والمازنى ودياب وآخرون من الكتاب الناشئين يتجادلون كل مساء فى الفن والأدب والسياسة!

أما شوقى فلا يشترك فى الحديث إلا نادرًا.. تراه وقد شرد ذهنة وزاغت عيناه كأنه ينظر إلى شىء غير منظور ويتمتم محركًا شفتيه فى همهمة لا تبين، وأنامله تعبث فى فم السيجارة الأنيق الذى يحمله - ويستمر على هذه الحالة فترة تقصر أو تطول ثم إذا به نهض، وإذا به خرج دون أن يلقى بالتحية أو يقول كلمة واحدة سائرًا فى خطواته الوئيدة كأنه يسير وهو نائم!

وهنا نعرف أن الوحى قد هبط عليه.. وأن قصيدة جديدة فى طريقها إلى الميلاد!

ويروى الأستاذ إحسان عبدالقدوس هذه الواقعة عن شوقى وكان عمره وقتها سبع سنوات فيقول:

كان يحلو لى أن ألعب «البلى» أمامه وكنت أكثر من الصياح والتشاجر مع أولاد الجيران فكان شوقى رحمه الله ينادينى ويربت على كتفى ويحاول أن يقنعنى بعدم الصياح، وأذكر أن صوته كان شديد الانخفاض وكان يتحرك ببطء والابتسامة لا تفارق شفتيه، ولم يفلح شوقى فى إقناعى بالكف عن الصياح فكانت والدتى تأمرنى بالعودة إلى المنزل كلما خرج شوقى بك إلى الحارة، وقد قال لها يوما ما أن ابنك سيكون أى شىء إلا شاعرًا.. فإن صياحه ليس فيه وزن!!

وقد حاولت عندما كبرت أن أنظم الشعر فلم أفلح!!

وللحكاية بقية.