الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قلم إحسان بين الواقع وسماء الفلسفة!

قلم إحسان بين الواقع وسماء الفلسفة!

«تعودت أن اتهم نفسى بعدم قدرتى على استغلال إنتاجى استغلالًا يحتفظ به أمام القراء جيلًا بعد جيل، ولذلك لم أفكر فى جمع هذه الكلمات والخواطر فى كتاب، ربما لأن تفرغى لـ«روزاليوسف» كان يدفعنى إلى الاحساس بأن «روزاليوسف» هى كتاب دائم».كل من يريدنى يبحث عنى فى «روزاليوسف»، ولكنى هاجرت من «روزاليوسف» وأصبح من يريدنى لا يدرى أين أنا «فى دار الهلال أم فى أخبار اليوم أم فى الأهرام أم.. أم ...قلم يحمل عبء أفكارى ولا يدرى أين يلقى بها».



هذه كلمات واعترافات الكاتب الكبير أستاذنا إحسان عبدالقدوس فى مقدمة كتابه «أيام شبابى» الذى تولى نشره الحاج «أحمد يحيى» صاحب دار المكتب المصرى الحديث ويعترف إحسان بفضل «أحمد يحيى» فى نشر الكتاب قائلًا:

أنقذنى أحمد يحيى وقام بجمع ما كتبته وأنا أعيش العشرينيات والثلاثينيات من عمرى.. وكنت أدهش وأنا أراجع ما تجمع.. ودهشتى تنبض بالفرحة كأنى أرى صورتى وأنا صغير.. ولكنى لم أكن صغيرًا بالنسبة لنفسى فكل الأفكار التى سجلتها وأنا فى هذا العمر البعيد لم تتغير بعد أن وصلت إلى العمر الذى أنا فيه.. عمر الستين.. وليس معنى ذلك أنى لم أتطور.. لا.

ولكن أفكارى ولدت معى وهى ترفض الاستسلام للواقع متطلعة إلى المستقبل.. ترفض القديم.. وترفض التقيد بالتقاليد.. وترفض الخوف الاجتماعى.. ولذلك فمهما طال الأمد عليها فهى لا تزال أفكارا جديدة.

ثم يمضى إحسان متحدثًا عن مقالات الكتاب التى كانت تنشر فى «روزاليوسف» قائلًا:

ـ وهذه المجموعة من الكلمات التى يضمها هذا الكتاب معظمها كلمات حول المجتمع وحول التحليل العاطفى وقد دفعتنى هذه المجموعة إلى أن أراجع ما كنت أكتبه تعبيرًا عن فكرى السياسى أيام شبابى!

غريبة! أن فكرى السياسى لم يتغير هو الآخر حتى اليوم.. ربما لأن كل ما أقتنعت به سياسيًا فى شبابى وعشت مقتنعًا به لم يتحقق حتى اليوم..

وبعد أن تتحقق الأحلام يبدأ الفكر فى البحث عن أحلام جديدة «أنى فرح بهذا الكتاب لأنه نبضات أيام شبابى».

وما أجمل مقالات الكتاب لكنى توقفت أما مقاله الذى حمل عنوان سؤال «هل أنا فيلسوف؟» يقول فيه:

هل أصبحت فيلسوفًا؟! لا أدرى.. فأنى أقرأ الفلسفة ولكنى لا أريد أن أكون فيلسوفًا.. ورغم ذلك فأنى أشعر بأن قدمى ترتفعان عن الأرض وأنى أغوص فى أعماق الفكر إلى أبعد ما تعودت، وأنى أنظر إلى موكب الحياة كأنى لا أشترك فيه وأنظر إلى الناس كأنهم أطفال صغار يعبثون فأطل عليهم وبين شفتى ابتسامة ساخرة مشفقة كأنها ابتسامة شيخ وقور خبر الحياة حتى ملها.. وعرك الدينا إلى أن وجد الغنم فى البعد عنها!

حتى ذوقى فى القراءة بدأ يتغير وبدأت أهتم بما كنت اعتبره مضيعة للوقت.. و.. وبدأت للمرة العاشرة بعد الألف أحاول أن أقرأ الصفحة الأولى من الكتاب الأول فى سلسلة الروائع المائة للأستاذ الفيلسوف «عبدالرحمن بدوى» وقد ترحمت على ماضى ومستقبلى عندما استطعت أن أصل إلى الصفحة الثانية!

ولكنى لا أريد.. لا أريد أن اكون فيلسوفًا.. أريد أن أكون مع الناس، وأن اشترك بكل قطرة من دمى وكل عصب من أعصابى فى موكب الحياة.. أريد أن أعيش فى السعادة والعذاب فى النجاح والفشل، فى الأمل والخيبة، فى الابتسام والدموع.

أريد أن أكون حيث كنت دائمًا، وقدماى ثابتتان  على الأرض وقلمى معى!

أنها معركة بينى وبين قلمى.. قلم أريده أن يعيش معى فى الواقع الذى يحيط بنا وهو يحاول أن يجذبنى معه نحو السماء سماء الفلسفة.

وينهى الأستاذ إحسان مقاله الممتع بقوله: امسكوا بى قبل أن أطير!

باختصار شديد لايزال إحسان عبدالقدوس قادرًا على دهشتى أديبًا وروائيًا وصحفيًا بطبيعة الحال!