الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
إحسان يرفض طلب السباعى!

إحسان يرفض طلب السباعى!

ذات يوم طلب الأديب الكبير الأستاذ «يوسف السباعى» من الروائى الكبير الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» أن يكتب بحثًا فى الأدب ليلقيه فى مؤتمر الأدباء العرب الذى سيعقد فى العاصمة السورية «دمشق»، ورفض إحسان طلب صديق عمره يوسف وكتب مقالًا يشرح فيه رأيه بعنوان «فن أولا فن« قال فيه:



الأدب عندى ليس بحثًا ولكنه إنتاج.. أنه قصة أو قصيدة وليس بحثًا.. انه فن وليس نقاشًا، وأنا لا أحاول أن أضع إنتاجى الأدبى ضمن إحدى المدارس الأدبية، لست هادفًا ولا غير هادف، ولست رومانسيًا ولا واقعيًا ولا صريحًا ولا سرياليًا ولا برجوازيًا ولا بروليتاريًا!

وقد يضعنى النقاد فى هذه أو تلك ولكنى عندما أكتب لا أضع نفسى فى إحداها بل أحرر نفسى من كل هذه القيود وأهدم كل هذه الحوائط وأنفض عن رأسى كل ما قرأته من أبحاث ثم اكتب..

وليس عندى إلا أساس واحد للأدب أؤمن به أساسًا لم يتغير ولم يتبذل منذ كتبت أول قصة فى تاريخ الإنسان.. ولم تستطع كل حذلقة أصحاب الأبحاث أن تغير منه شيئًا.. هذا الأساس هو الإنسانية نفسها.. أن يكون أدبًا إنسانيًا صادقًا.. أن يعرض الإنسان على حقيقته بكل ما فيه من خير وشر، فالأديب ليس قاضيًا ليحكم على القاتل بالإعدام، بل هو يعرض نفسية القاتل فى أمانة ولو انتهى عرضه بتبرئته مخالفًا القاضى والقانون!

ويمضى الأستاذ «إحسان» قائلًا: والأديب ليس سياسيًا.. ليس مطلوبًا منه أن يكون شيوعيًا أو اشتراكيًا أو رأسماليًا كل ما هو مطلوب منه أن يكون إنسانًا صادق الإحساس.. وتحيز الأديب لأحد هذه المبادئ يلوث أدبه وفنه ويجعله يرى الإنسان بعين واحدة ونصف قلب ونصف إحساس!

هذا رأيى.. وهو رأى يغضب الكثيرين من الذين يحاولون أن يلبسوا الأدب العربى أزياء مستوردة من روسيا أو من أمريكا.. لمجرد إنها أزياء شغل إبرة!

والأديب الذى ينقاد لهذه المحاولة يصبح كالفتاة الغبية التى تنتقى لنفسها ثوبًا لمجرد إنها رأت صورته فى إحدى مجلات الأزياء، ودون أن تستعمل ذوقها الخاص وتقدر ذوق الناس الذين ستبدو أمامهم دون أن تقارن بين جسدها وجسد المانيكان التى رأت صورتها فى المجلة.. فقد تكون سمينة لا تصلح لارتداء البنطلون، وقد تكون معضمة لا تصلح لثوب عارى الأكتاف!

وإذا كان لا بد من تقسيم الأدب إلى مدارس فأنى لا اعترف إلا بتقسيمه حسب موطنه: أدب روسى وأدب ألمانى وأدب أمريكى وأدب فرنسى وأدب عربى!

والتقسيم هنا ينصب على المجتمع الذى يصوره الأدب وعلى اختلاف العقليات واختلاف الذوق الفنى بين كل وطن وآخر..

والجهود التى تبذل فى ترقية الأدب العربى يجب أن تنحصر فى جعله أدبًا عربيًا ليس فيه الروسى أو الفرنسى أو الأمريكى.. أدبًا عربيًا صرفًا ينبع من صميم المجتمع العربى ويعطى صورة صادقة للإنسان العربى فى ظروفه.. وفى مشاكله وفى عقليته وفى نفسيته.. وصورة صادقة لا تصور بطولات كاذبة ولا تخلق إنسانًا خياليًا مثاليًا.. بل هو الفرد العربى كما هو..

ويوم يصل الأدب العربى إلى هذه الدرجة من الصدق فى التعبير عن المجتمع العربى سيصبح عالميًا..

والأدب العالمى ليس هو الأدب الذى يصور أجواء العالم المختلفة بل هو الأدب الذى يصور مجتمعًا واحدًا تصويرًا واضحًا يعطى للعالم صورة صادقة عن هذا المجتمع.. وجميع الكُتاب العالميين عرفهم العالم عندما كتبوا عن وطنهم والمجتمع الذى نشأوا فيه وكتبوا بصدق!

ثم هناك تقسيم أعم للأدب.. التقسيم الذى لا يستطيع أحد من المتحذلقين أن يقاومه: أدب جيد وأدب رديء «فن أو لا فن.. والأدب الجيد يقرأ والرديء لا يُقرأ.. والفن يعيش.. واللا فن يموت».

أتفق تمامًا مع ما كتبه الأستاذ إحسان عبدالقدوس فليس من مهمة الأديب المبدع الحقيقى أن يكتب بحثًا أو دراسة بل إن مهمته الأساسية هى الإبداع الأدبى سواء كان رواية أو قصة أو قصيدة شعر، أما الأبحاث فمجالها أهل النقد و التحليل والحداثة!!