الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
معضلة كتابة التاريخ وعصر المعلومات 2-2

معضلة كتابة التاريخ وعصر المعلومات 2-2

أتاح عصر المعلومات فرص التدوين كما لم تتح من قبل على مر التاريخ وذلك لكل شخص مشارك فى الأحداث أو شاهد عليها أو مجرد متعرض لبعض من تفاصيلها سواء بالقراءة أو حتى بمجرد الاستماع.



بالطبع لا بد من وضع اعتبارات الانحياز والتزييف والإثارة وعدم الدقة فى هذا النوع من التدوين ربما بصورة أكبر بكثير من الأساليب التقليدية إلا أنه يعد فرصة تحدث للبشرية جميعها لأول مرة أن تتم كتابة الأحداث الجارية واستخدام ذلك فى المستقبل لوصف الحاضر الذى سيكون هو التاريخ الجديد.

ولكن كيف يتم هذا وحجم التدوين مهول وعدد من يتمكنون من القيام به يصل إلى نصف عدد سكان الأرض وهو رقم لا يمكن مقارنته بأعداد المدونين للتاريخ فى العصور السابقة ولا حتى بعدد الصحف والمحطات الإذاعية والمحطات التليفزيونية.

فى تقديرى فإن استخدام الأساليب اليدوية لرصد ما يكتب إزاء واقعة بعينها ومحاولة كتابته فى شكل كتابة تاريخية لهو أمر فى غاية الصعوبة وربما يصل إلى حد الاستحالة نظرا للكم الكبير من المشاركين فى النشر وكذا أيضا تنوع قنوات وأساليب العرض فالأمر يتعدى الكتابة ويصل إلى الملفات الصوتية والصور الثابتة ومقاطع الفيديو المتحركة أيضا.

الحل قد يكون فى تبنى نظام للذكاء الاصطناعى يتم تغذيته بكل تلك المنشورات حيث يقوم بجمعها وتصنيفها وإعادة صياغة ما بها بشكل يمكن أن يطلق عليه «كتابة تاريخية منضبطة» توضع أمام الكتابات التاريخية التقليدية كمنافس لها أو مكمل لما بها من أحداث حيث تكون هى وجهة نظر الجمهور وليست وجهة نظر أى من سلطات الرصد والتنوير والنشر التقليدية.

هل يبدو الأمر مستحيلا أو بعيدا، فى الحقيقة لا أعتقد بل إن الأمر قد بدأ منذ سنوات عدة حيث تستطيع شبكات التواصل الاجتماعى وشركات تقديم خدمات الاتصالات الكبرى من رصد كل ما يكتب من قبل المستخدمين يضاف إليه عدد آخر من المعلومات المهمة مثل مكان تواجد الشخص وخصائصه العمرية ونوعه ومستوى تأهيله العلمى وكذا أيضا اهتماماته الأخرى وما يفكر به ويبحث عنه من خلال محركات البحث الشهيرة.

والحقيقة أن نتيجة هذا النوع من التدوين والتصنيف لا يمكن التأكد من مدى دقتها حاليا بل علينا أن نترك الحدث ينتهى ثم ننظر إلى أساليب صياغته ونقارنها لكى نتعرف على مدى دقته ومدى فاعليته ومن ثم تحديد درجة الاعتمادية عليه فى تحليلات التاريخ واستقراءات المستقبل.