الأربعاء 23 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سر دهشة وحزن أحمد بهاء الدين!

سر دهشة وحزن أحمد بهاء الدين!

«كنت جالسًا فى مكتبى من أسابيع عندما زارنى صديق هو فى الوقت نفسه كاتب شاب ذاع اسمه ونجح نجاحًا كبيرًا، واشترك فى المعارك الصحفية حول الأدب القديم والأدب الجديد، وأنغمس فى الهجوم والدفاع وفى إطلاق الأحكام وفى التنديد والتفريط!».



بهذه السطور يبدأ الأستاذ «أحمد بهاء الدين» مقاله الممتع «زيارة لمكتبة طه حسين»، ويمضى يروى ما أحزنه وأدهشه من صديقه الكاتب الشاب فيقول:

وفى خلال الحديث قال لى صديقى الكاتب الفنان الشاب، إنه قرأ منذ أسابيع كتاب «الأيام» لطه حسين لأول مرة، وقد دهش من روعة الكتاب والحياة التى تتدفق فيه!

وكدت لا أصدق أن كاتبًا مرموقًا، أؤمن أنا شخصيًا بامتيازه لم يقرأ الكتب المهمة فى أدب «طه حسين» و«توفيق الحكيم» وغيرهما من رواد الأدب المصرى الحديث! وقال إنه لم يقرأ إلا ما تنشره الصحف لهما فى السنوات الأخيرة فحسب!

على أن دهشتى لم تلبث أن انقلبت إلى حزن! إن مثل هذا الكاتب الشاب الممتاز لا يمكن أن يستمر امتيازه بغير ثقافة واسعة، إن لمعة إنتاجه الأول هى لمعة الموهبة التى سرعان ما تخبو، وتكرر نفسها ويضيق أفقها إذا لم تجد مددًا مستمرًا من خبرات الحياة ومن الثقافة العميقة!

الذى حدث لهذا الشاب أن التصفيق الذى قوبل به إنتاجه الأول أدار رأسه! وأصعب امتحان يجتازه أى إنسان وهو كيف يمر «بصدمة» نجاحه الأول إذا صح التعبير، هناك من يسكره النجاح الأول فيظن إنه كتب ما لم يكتبه أحد قبله، وما لم يكتبه أحد بعده! فيركن إلى الكسل ويعتقد أنه يمكن أن يكرر نجاحه بالمحصول القديم نفسه، وهناك على العكس من يجعله النجاح الأول أكثر إحساسًا بالمسئولية وأكثر اهتمامًا بتجديد عمله!

وتصفيق النجاح الأول ليس فى الحقيقة حكمًا نهائيًا، إنه يقترن فى العادة بنوع من المبالغة، وهو فى العادة ليس إعجابًا مجردًا بالعمل نفسه، ولكنه إعجاب بالعمل وبصدوره من شاب جديد بالذات! فالطفل عندما ينطق بأولى كلماته يصيح أهله إعجابًا وتشجيعًا وفرحًا، لا لأن الكلمة فى ذاتها جديدة ولكن لأنها الصوت الجديد، ولأنها علامة نحو شىء جديد!

هكذا نصفق ونشجع أحيانًا «الوجه الجديد» فى كل شىء فى الكتابة وفى التمثيل وفى الغناء على السواء، ولكن بعض الشباب الذين ينجحون ويسمعون هذا التشجيع، لا يفهمونه من هذا المعنى، فيضعون أكتافهم مرة واحدة بجوار أكتاف الأساتذة الكبار، بل ويرفضون الاعتراف بأنهم امتداد وتطوير لهؤلاء الأساتذة كأنهم يحبون أن يكونوا نباتًا شيطانيًا نبت من لا شىء!!

ويمضى الأستاذ «أحمد بهاء الدين» فى تحليله العميق قائلًا:

دارت كل هذه الخواطر فى رأسى وأنا أتأمل صديقى الفنان الشاب، بل وأنا أتأمل كل هذا الجيل الذى أنتمى إليه، ووجدت أن أشباه هذا الفنان الشاب كثيرون!

وفكرت فى الأساتذة الكبار الذين تعد سنوات جهدهم وإنتاجهم لا بالسنين، ولكن بعشرات السنين، فكرت أن أزور مكتباتهم وأن أتجول فيها، فكرت أن أقدم لزملائى ولقرائى ولنفسى صورة من الجهد الذى صنعهم والذى صنعنا من بعدهم!

وكان لابد أن أبدأ بطه حسين لا بد لأننا لو ذكرنا الأدب والثقافة والقراءة والكتب، فلابد أن ينصرف الذهن فورًا إلى طه حسين!

لابد، لأنه بالفعل علامة حياتنا الثقافية ورمزها الرئيسى خلال ثلث القرن الأخير!

ولو مر أى إنسان فى الطريق الضيق المتفرع من شارع الهرم، والذى يقع فيه بيت طه حسين لأستوقفه البيت، ولعرف أن صاحبه لابد إنسان قارئ، قرأ وقرأ حتى عاش أضعاف حياته، وحتى تسربت قراءاته إلى أدق شئونه وخلجاته، فاسم الفيلا البيضاء المكتوب على بابها «رامتان» و«رامة» مكان فى الصحراء العربية ذكره الشعراء الجاهليون كثيرًا فى شعرهم إذا كان يلتقى عنده العشاق!!

ماذا وجد الأستاذ «بهاء» فى مكتبة عميد الأدب العربى؟

للحكاية بقية!