الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغتنا العربية والقنوات الفضائية!

لغتنا العربية والقنوات الفضائية!

لغتنا العربية فى خطر داهم ومحدق، هكذا صرخ منذ ربع قرن تقريبًا، د.جلال أمين فى كتابه البديع.. «ماذا حدث للمصريين» والذى تناول فى أحد فصوله موضوع اللغة العربية وكتب يقول:



لا يمكن لمن لا يزال يذكر مثلى ما كانت اللغة العربية تتمتع  به من مكانة رفيعة فى مصر منذ نصف قرن، إلا أن يشعر بالآسى الشديد عندما يتأمل حالها الآن! كان لا يزال مما يمكن أن يفخر به المرء فى ذلك العصر أنه يكتب بلغة عربية صحيحة، وكان الخطأ فى النحو الإعراب كتابة أو إلقاء مما يمكن أن يخجل منه المرء ويحاول تجنبه!

لم يعد الأمر كذلك بكل أسف، الخطأ فى اللغة لم يعد شيئًا يستحى منه المرء، بل أصبح لفت النظر إلى الخطأ وإعطائه أى اهتمام هو ما يستحى منه المرء!!

ويضيف قائلا: لم تعد إجادة العربية شرطًا لتعيين المذيع أو المذيعة، ولم يعد التزام الكلام والكتابة بلغة عربية صحيحة هو مجال الفخر، بل العكس بالضبط هو الصحيح لقد أصبحت المذيعة التليفزيونية مثلا، تبدو وكأنها تفخر بأنها لا تستطيع أن تنطق الكلمات كما يجب، إما بسبب أنوثتها الطاغية أو بسبب انغماسها فى بيئة أجنبية حتى أذنيها، والمتحاورون فى برنامج تليفزيونى أو إذاعى أصبحوا يسمحون للكلمات الأجنبية بالدخول فى كلامهم من حين لآخر، ويتظاهرون بأن ذلك يحدث لا شعوريًا أو بالرغم عنهم! إذ إنهم للأسف لا يجدون المقابل العربى لهذه المصطلحات الأجنبية الصعبة!

وهم فى الحقيقة يريدون التفاخر والتشدق بمعرفتهم ببعض الكلمات الأجنبية! والكاتب فى الصحيفة أو المجلة حتى ولو كانت شعبية، شأنه شأن الأستاذ الجامعى اليوم ينتهز أية فرصة ليضع المقابل الأجنبى للمصطلح العربى أو الكلمة العربية بمناسبة وغير مناسبة حتى ولو كان المقابل العربى كافيًا تمامًا وواضحًا تمام الوضوح بل أوضح من اللفظ الأجنبى بل حتى لو كانت الكلمة ليست اصطلاحًا أصلا!

ويضيف د.جلال أمين أنى لا أستطيع أن أمنع نفسى من الاعتقاد بأن انتشار هذا النوع من السلوك فى الكتابة العربية يكمن وراءه فى كثير من الأحيان نفسية معقدة وغير سوية، وأن الكاتب كثيرًا ما يعرف درجة غموض ما يكتب ودرجة تعقيده، بل كثيرًا ما يعرف طريقة لتجنبه، ولكنه يسترسل فى الأمراستعدادًا للغموض وتفضيلًا لهذا التعقيد!

متظاهرًا أمام القارىء المسكين بأنه عالم كبير ومستغل انتشار الجهل باللغات الأجنبية فى بلادنا، فيستخدم القليل الذى يعرفه منها فى التمويه على  الناس الذين وجدهم الكاتب تحت رحمته، سواء كانوا طلبة فى الجامعة أو قراء لصحيفة أو مستمعين سلبيين للإذاعة والتليفزيون لا يستطيعون استضاح الأمر منه!

ويعترف د.جلال أمين بأن الأمر محزن ويسترسل فى شرح أسباب هذا التدهور للغة العربية إلى أن يقول:

وصحيح أيضا أثر التغير فى نوع الأداة أو الوسيلة التى تنقل بها المعرفة باللغة العربية من شخص لآخر، فالمدرسة لم تعد هى الوسيلة الوحيدة - وربما ولا الأساسية - التى يتلقى من خلالها الناس المعرفة باللغة ولا الجامعة، بل انضمت إلى المدرسة والجامعة بدرجة متزايدة القوة الصحف والمجلات والإذاعة ثم التليفزيون!

وهذه الأدوات أو الوسائل الأخيرة لها سمات معينة تختلف عن المدرسة والجامعة من بينها اتساع جمهورها اتساعًا كبيرًا وسرعة إعداد المادة التى تُلقى إلى هذا الجمهور الواسع، فقراء الصحيفة والجمهور المستمعون إلى الإذاعة والتليفزيون جماهير واسعة مستوى تعليمهم فى المتوسط أقل من مستوى تلميذ المدرسة وطالب الجامعة، ومن ثم يغفر الكاتب فى الصحيفة لنفسه أو معد برنامج الإذاعة والتليفزيون التساهل فى قواعد اللغة بحجة أن جمهوره لا يتطلب أكثر من ذلك، أو لا يستطيع أن يستوعب أكثر من ذلك، وسرعة إعداد المادة الصحفية والإذاعية والتليفزيونية تؤدى إلى نفس النتيجة بحجة أنه ليس هناك وقت كافٍ للالتفات إلى قواعد اللغة وأن المهم هو المضمون.

ترى ماذا كان سيكتب د.حلال أمين لو عاش حتى الآن؟!