الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مفيد فوزى وفتحى غانم وحوار كبدة الأوز!

مفيد فوزى وفتحى غانم وحوار كبدة الأوز!

في كل مرة أعيد قراءة روايات الأديب الكبير الأستاذ «فتحى غانم» تتجدد المتعة والبهجة داخلى، وكلما قرأت حواراته الصحفية التى أجريت معه يتكرر نفس الشىء خاصة عندما يتحدث عن خلاصة تجربته فى الحياة والأدب والصحافة.



ومن أجمل وأعمق هذه الحوارات حواره مع المحاور الكبير الأستاذ مفيد فوزى المنشور فى كتابه المهم «هؤلاء حاورهم مفيد فوزى» (صدر عام 1992)، عنوان الحوار «تحدى الإنسان الدائم للموت يشغلنى»، يقول الأستاذ مفيد:

لا أحد يكره الأحاديث الصحفية مثل الكاتب الروائى فتحى غانم إنه يعتبرها مضيعة للوقت! وقد حاولت إقناعه ان القارئ الذى يحتفى به ويقبل بنهم وشغف على مؤلفاته يهمه أن يعرف فتحى غانم الإنسان وأفكاره ومكونات وجدانه وشيئًا ما عن حياته الشخصية!

ورفض فتحى غانم هذا المبرر لإجراء حديث صحفى معه قائلًا إن هذا يشبه ـ كما يقولن ـ الباعث عن مقابلة «أوزة» والحديث معها لأنى مثلًا أحب فطيرة من كبد الأوز!!.

وعندما قلت لفتحى غانم إنه من الضرورى أن يتعرف الناس على رؤاك الأدبية قال بسرعة: إنها فى رواياتى والحديث الصحفى لن يكون بأى حال الجواب النهائى لأفكارى!

ولم ييأس الأستاذ مفيد وعاد يقول له أردت أن استفز فتحى غانم فقلت إن الأديب الإيطالى الكبير البرتو مورافيا يعتبر المقابلات الصحفية والأدبية مع الروائيين والكتاب جزءًا مكملًا لأعمالهم الأدبية وضوءًا كاشفًا لشخصيات رواياتهم، بل إنه قال ذات مرة». إن المعارك والهجمات النقدية تنعشنى»! وصمت فتحى غانم ثم انطلق يضحك وقال: بيد أنها لا تنعشنى أنا، إن ما ينعشنى حقًا هو دراسة نقدية يجريها ناقد جاد بمعزل عنى، ان هذا بمثابة إعادة اكتشاف لى ولفنى الروائى!»

ويمضى الحوار الذى كان اشبه بمباراة شطرنج وهى الشىء الوحيد بعد الرواية الذى يستغرقه تمامًا، واتوقف أمام سؤال طرحه الأستاذ مفيد قال فيه: لماذا لم تتواصل الأجيال الأدبية بعد جيلكم الذى يمكن وصفه بجيل الوسط؟

 ويبدو أن كلمة «تتواصل» لم تعجب فتحى غانم لأنه كشر عندما ذكرتها وأشعل سيجارة وقال فى وصلة صراحة:

ـ أحب أن أقول لك أن حكاية «تواصل الأجيال الأدبية» مجرد إنشاء لغوى، فنحن لم نتسلم الرسالة من جيل العمالقة الذى سبقنا ولن نسلم الرسالة للجيل الذى يأتى بعدنا!

أننى افتح لك قلبى وأحدثك بصراحة شديدة، لقد أخذ جيلنا مكانة من جيل العمالقة بالدراع، لقد فتحنا عيوننا نحن ـ جيل الوسط ـ كما تصفه فوجدنا عميد الأدب «د.طه حسين» والأستاذ «توفيق الحكيم» والكاتب الكبير «عباس العقاد» والأستاذ محمود تيمور والأستاذ «عبدالقادر المازنى»، عالم منفصل عنا تمامًا، وقد كانت لى ظروف خاصة عرفت فيها الأستاذ العقاد عن طريق والدى رحمه الله فقد كان صديقًا للعقاد وذكر العقاد اسمى فى كتابه «عابر سبيل» وهو يرثي والدي!

لقد خطر ببالى أن نتصرف لهؤلاء العمالقة ولا ننتظر منهم «المن والسلوى» فماذا فعلت؟ قررت أن أفكر بشكل عملى وأتساءل: لماذا جئت أنا كأديب؟ وما دورى؟ ربما أملىّ علىّ هذا التفكير ما قرأته لرناردشو يومئذ يوم هاجمت شكسبير ولد لي قلم بأسنان كاملة!

كنت قد قررت أن اهاجم طه حسين، كتبت سلسلة مقالات فى الخمسينيات بعنوان «طه حسين عقبة كبيرة أمام القصة» وأذكر أن د.طه حسين استدعانى ليعرف هل أكتب عن فهلوة أم قناعة، وذهبت إليه فى بيته بفيللا رامتان وقلت له بثقة شديدة كل ما أريد، يومئذ من الممكن أن أقول لقد ولد لى قلم بأنيات! وتحركت البحيرة الراكدة أكثر عندما أصدرت أنا والدكتور رشاد رشدى بيانًا عن القصة القصيرة وكيف ينبغى أن تكون، وغضب يومها الراحل يوسف السباعى واعتبرها إهانة أدبية سليطة، وبعد قليل هاجمنا يوسف السباعى فى مجلة مسامرات الجيب وأطلق علينا أنا ورشاد رشدى «ليز» ولين» نسبة إلى راقصتين شهيرتين فى ذلك الوقت وكان عنوان مقاله: ليز ولين القصة المصرية!

ويكمل الأستاذ فتحى غانم للأستاذ مفيد قائلًا وموضحًا:

أردت أن أذكر لك هذه القصة لأدلل كيف تسللت إلى شارع الأدب الذى يسيطر عليه الأساتذة والدكاترة الكبار كان ذلك بالدراع! وفى اعقتادى أن الجديد الموهوب لا يجب أن ينتظر فسوف يطول انتظاره بدون جدوى، عليه أن يتصدى للمعركة، عليه أن يتكلم ليحفر بأظافره مكانًا لنفسه وعلى الأديب الشاب أن يعبر عن نفسه بدون خوف فأما أن يكون أو لا يكون!

الحوار ممتع ومهم ولكن تبقى عبقرية أسئلة المحاور وذكاء الأديب وكلاهما علامة بارزة كل فى مجاله!