السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سر ودرس عبدالحليم حافظ!

سر ودرس عبدالحليم حافظ!

لا يزال الفنان الكبير عبدالحليم حافظ هو مطربى المفضل، والذى أستسلم لأغانيه بلا مفارقة رغم مرور 45 عامًا على رحيله فى أواخر مارس سنة 1977.



لابد أن هنارك سرا وراء بقاء صوت حليم وأغانيه حتى الآن، سر حاول الكثيرون كشفه وتحليله فى مئات المقالات والدراسات والأبحاث، لكنى دائمًا أتوقف أمام مقال مايسترو الصحافة الأستاذ صلاح حافظ الذى قال إن معجزة عبدالحليم حافظ، إنه نجح فى عصر عبدالوهاب حسب قول الشاعر الكبير كامل الشناوى، ومفتاح المعجزة أنه عرف سره ويقول صلاح حافظ: الحقيقة إن عبدالحليم حافظ نجح دون معجزات وكان مفتاح نجاحه أنه عرف سر عبدالوهاب ووعى درسه، وسر عبدالوهاب هو الاتقان المطلق، فلا حرف ولا نغمة إلا بميزان الذهب ولا تساهل مع النفس أو مع الغير فى أى عمل يقدمه، والهزل ممكن فى أى شىء ولكن الفن جد خالص.

وقد وعى هذا الدرس عبدالحليم فلم يسمح لنفسه بأن يغنى كلمة لا يفهمها أو لحنا لم تتشرب به أصعابه ودمه، وكلما زادت شهرته زاد عدد البروفات التى يقوم بها قبل كل لحن جديد، وزاد قلقه على مستوى الأداء الذى سيواجه به الجماهير، هذا الاحترام المطلق للعمل الفنى كان المفتاح الذى اقترضه عبدالحليم من عبدالوهاب لينجح فى عصره، ولم يكن عبدالوهاب يخفى هذا المفتاح عن أحد، فما من فنان من جيل عبدالحليم إلا وقال له عبدالوهاب جملته المأثورة: عندما أعود إلى بيتى لاستئناف لحن لم أتمه بعد، فإننى أكون أكثر لهفة من قيس العائد إلى ليلى!

لكن عبدالحليم وحده من بين الذين سمعوا هذا الكلام، هو الذى وعى درسه وقرر أن ينافس الأستاذ فى استيعابه، ثم كان الوحيد الذى استطاع أن يلتزم بأعباء الدرس، ولو على حساب صحته أو على حساب حياته!

لم يحدث فى تاريخه الفنى أن ظهر على المسرح يقرأ من ورقة أو يستعين بواحد فى الكواليس يلقنه السطر التالى من الأغنية، ولم يحدث أن نسى كلمة أو نغمة، ولم يحدث أن ارتبكت حنجرته؛ لأن اللحن جديد عليها أو لأنها لم تتدرب عليه بما فيه الكفاية.

كانت مساحة صوته محدودة لكن الاتقان والإحساس والإخلاص جعلها قادرة على الأداء بغير حدود، وكان أشبه بعازف «كمان» لا يملك غير وتر واحد، ولكن مهارة أصابعه تسترخي من هذا الوتر ما يحتاج إلى فرقة موسيقية كاملة.

كان هذا مفتاح معجزة عبدالحليم وكان طبيعيًا أن يقع عليه اختيار الجيل الموسيقى الجديد، جيل الموجى وكمال الطويل وبليغ حمدى لكى يخاطبوا الناس من خلاله، وكان هذا هو السر الثانى لنجاح عبدالحليم فهو لم يكن فردًا وإنما كان جيل الموسيقيين الجدد مجسدًا فى حنجرة أمينة تنقل إلى الناس وجدانهم الجديد، وتبهرهم بإبداعه وتقنع الآذان به.

ولأن قدرته على الأداء كانت غير محدودة فإنه شجع جيل الموسيقيين هذا على أن يفتحوا آفاقا غير محدودة أيضًا وشجع المؤلفين على أن يطرحوا فى سوق الغناء أحيانًا منشورات سياسية صريحة تتحول على أوتار حنجرته، وعلى إيقاع انفعالاته إلى أغنيات يحفظها الناس من فرط عذوبتها!

ولولا هذه المقدرة الفذة لما جرؤ جيل الشعراء والموسيقيين الجديد على أن يخاطب الناس بأغنيات مثل السد العالى، والمسئولية والقرار إلى آخر هذه الأعمال!

ويختتم صلاح حافظ مقاله بدرس مهم جدًا فيقول: واليوم ـ 1977 ـ يتساءل الجميع: من الذى سيرث عبدالحليم على عرش الغناء؟ والجواب هو سيرته الذى يلتقط منه مفتاح السر سيرته أول من يدخل محراب الفن من باب الاتقان، وأول من يأخذ الغناء على أنه جد لا مزاح ويأخذ الفن على أنه ملحمة من الجهد لا مجرد سهرة أنس!

إن جدية عبدالحليم وإخلاصه لفنه واحترامه له، وصدقه فى أدائه هو الذى جعله صوت جيل بأكمله صوت شبابه، ورجاله وبناته ومراهقيه وشيوخه بل وصوت ثورته!

والفنان الذى سيحتل عرشه لن يكون فى حاجة إلى معجزة، كل ما عليه هو أن يلتقط المفتاح الذى فتح به عبدالحليم باب مجده، والذى تركه مساء الأربعاء الماضى لكل من يملك القدرة على التقاطه واحتمال أعبائه.

هذا هو درس البقاء والخلوط لأى فنان كما كتب صلاح حافظ!