الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الحكيم لا يقتنى دواوين الشعر!

الحكيم لا يقتنى دواوين الشعر!

لايزال الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين رئيس تحرير مجلة صباح الخير وقتها سنة 1958 يتجول فى مكتبة أستاذنا المبدع «توفيق الحكيم» ويكشف عن أسرار وحكايات تنشر لأول مرة. وعندما سأله «بهاء» متى بدأ فى تكوين مكتبته؟!



قال: حجر الأساس الأكبر فيها «سحارة» ضخمة من الكتب عدت بها من باريس، كنت هناك فى مطلع نهمى للقراءة وكانت الكتب رخيصة جدًا، مثلًا الكتاب الضخم الذى يقع فى جزئين هو «روح القوانين» لمونتسيكيو لقد كان يباع فى باريس آنذاك بما يساوى خمسة قروش!

وعلق الأستاذ بهاء: وتأوهت لدى سماعى هذه الأسعار فكتاب «مونتسيكيو» هذا اشتريته فى القاهرة منذ سنوات ودفعت ثمنه بالجنيهات لا بالقروش!

واستطرد توفيق الحكيم: ولكننى بصراحة لا أعتمد فى القراءة على شراء الكتب ولكننى أستعيرها من المكتبات العامة ثم أعيدها!

وعاد بهاء ليسأله عن نوع الكتب الذى يغلب على مكتبته؟!

فقال: النماذج الفنية ذاتها، القصص والمسرحيات والروايات التى كتبها المؤلفون العظام، أما كتب البحث الفنى والنقد والكتب الموضوعة عن حياة هؤلاء الفنانين فهى قليلة جدًا، ذلك أننى أعتمد فى دراستى على النماذج الجيدة نفسها، فالطباخ الماهر يتعلم من تذوق الطعام نفسه لا من قراءة كتب الطهى، فأنا أهتم بالعمل نفسه لا بالأبحاث الموضوعة عن هذا العمل!

والغلطة التى يقع فيها الكثيرون أنهم يعرفون أسماء المؤلفين الكبار ويقرأون عنهم ولكنهم لا يدرسون أعمالهم نفسها!

فى الموسيقى مثلًا لقد كنت فى أول الأمر أجد كتبًا عن «بيتهوفن» أو «فاجنر» وأقرؤها باهتمام، ثم لم ألبث أن منعت نفسى من قراءتها قبل أن أتذوق الموسيقى نفسها، ونفس الشىء بالنسبة لفن التصوير، فمعلوماتى مثلًا عن حياة «رفايللو» أو «دافنشى» أو «بيكاسو» أو «ماتيس» لا تذكر إلى جانب تأملى للوحاتهم وفحص لمميزاتها الفنية، واهتمامى بالعمل الفنى نفسه هو الذى يدفعنى بعد ذلك لمعرفة ما ينبغى معرفته عن صاحب العمل نفسه!

ويتحدث توفيق الحكيم عن بدايات كتابته المسرحية فيقول: أيام زكى عكاشة - صاحب الفرقة المسرحية - أننى كنت أكتب المسرحية، وأنا أتمثلها وأتمثل مشاهدها وممثليها على المسرح وأتمثل الجمهور الذى كنت أراه يتردد على المسرح وكان لذلك كله أثر فى كتابة الرواية المسرحية ذاتها، إن الكاتب عندما يفكر بالمسرح يعرف بالضبط المواقف التى تحدث تأثيرها فى جمهور هذا المسرح، ويدرك طريقة تكوين الشخصيات بالأسلوب الذى تبرز به أمام متفرجيه، بمعنى أنه يكتب كل كلمة وهو يتصورها مرئية مجسدة وهذا هو الذى كنت أحسه أيام مسرح عكاشة، ولذلك لم أفكر فى طبع أى مسرحية من المسرحيات التى كتبها لمسرح عكاشة لأن المسرحية التى تنجح فى التمثيل قد لا تنجح فى القراءة، فى حين أننى عندما كتبت مسرحياتى الأخرى لم أكن أفكر بالمسرح، ولا بأنها ستتجسد على مسرح معين، كنت أعلم جيدًا أن مصيرها إلى المطبعة وأننى أخاطب بها القارئ لا المتفرج!

وشكسبير نفسه له روايات غير معروفة للقارئ لأنها لا تنجح كمادة مطبوعة، رغم أنها تنجح فى التمثيل نجاحًا كبيرًا كرواية «الليلة الثانية عشرة» وغيرها، فى حين أن رواية مثل «هملت» تنجح فى القراءة كما تنجح على  المسرح!

ولنفس السبب تستطيع أن تلاحظ أن روايات الريحانى ويوسف وهبى مثلًا رغم نجاحها لدى الجمهور فى التمثيل لا يمكن أن تصمد للمطبعة، ذلك إنها مكتوبة لأبطال معينين ولمسرح معين ولجمهور معين!

ويكمل بهاء جولته الممتعة فيقول: وبحثت فى مكتبة الحكيم عن مسرحيات أخرى فوجدت المسرح الأمريكى الحديث أرثر ميللر و«يتنسى وليامز» و«أونيل» وكذلك كتب الأدب الروسى القديمة والجديدة.

وأخيرًا بحثت فى مكتبة توفيق الحكيم عن ديوان واحد من الشعر فلم أجد!!

ولم يقل لنا بهاء فى حواره الممتع عن سبب ذلك!