الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سهرة رمضانية بين الوردانى والأفغانى!

سهرة رمضانية بين الوردانى والأفغانى!

يبدو أن الخفة والاستسهال بل والهمبكة والسلق موضة قديمة فى بعض برامج الإذاعة والتليفزيون أيضًا، الفرق الوحيد أن الإذاعة زمان كانت لا تدفع نقودًا لضيوفها وكذلك التليفزيون إلا فيما ندر!



ولا أعرف السر وراء موضة البرامج الرمضانية التى لا هدف لها إلا النميمة والتفتيش فى أسرار الناس وكوارثهم من زواج وطلاق وخيانة ومقالب مؤلمة!

هات أى برنامج من هذه البرامج واستمع له أو شاهده سوف تجد المذيعة تحاصر الضيف - من أهل الفن - وهات يا أسئلة تافهة ومملة وسخيفة من نوعية بيقولوا عنك كذا وكذلك؟! أو كم مرة تزوجت وكم مرة طلقت؟! إلخ.

سخافات وترهات وغباوات لمجرد ملء ساعة من وقت البرنامج والأغرب أن هذه السخافات والبواخات تجد لها رعاة ومعلنين يدفعون الملايين من أجل بواختها!

لا أحد ضد برامج المنوعات أو برامج التسلية أو حتى برامج الكاميرا الخفية، لكننى ضد كل ما هو بايخ وسفيه وغبى سواء كان متفقًا عليه بين الضيف وصاحب البرنامج أو كان على سبيل الصدفة!

ولم يعد للبرامج الثقافية أو الأدبية مساحة وسط طوفان الاستسهال والاستظراف.

لقد حكى الكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم الوردانى -رحمه الله- تجربة له مع البرامج الرمضانية ونشرها فى نوفمبر سنة 1969 عندما طلب منه المذيع عبدالله عمران من إذاعة صوت العرب أن يشارك فى سهرة إذاعية اسمها «واحد زائد واحد» مدتها ساعة كاملة ومادتها التاريخ عبارة عن شخصية معاصرة تقابل شخصية تاريخية ويدور بينهما حوار بطله التاريخ وما جرى فيه من أحداث!

فى البداية اعتذر إبراهيم الوردانى لكنه أمام حماس عبدالله عمران وافق مبدئيًا وبدأت رحلة البحث عن الشخصية التاريخية التى سيحاورها الوردانى ويقول: استسلمت مستغرقًا مهتمًا أفكر ثم قلت له فجأة وكأننى أرمى طوبة على بحر الهدوء - هاك الشخصية جمال الدين الأفغانى!

وتركنى عبدالله لأعود وأتردد فما هذا الذى أوقعت نفسى فيه، البرنامج ساعة وهو جرعة جادة جدًا وفى عز صهللة الليالى، فى كل المحطات إذاعة وتليفزيون ومثلى لا يطيق فرار القارئ أو المستمع، وترى ما الذى يجعل ناس نصف الليل، يتركون أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وكذلك فؤاد المهندس والهنيدى ورضا وعوض ومدبولى وبقية شلة الفرفشة والبراءة الرمضانية؟! نعم ما الذى يجعل مستمع ذاك الوقت يؤدب نفسه ويزجر مزاجه الطبيعى ساعة كاملة وهو جالس فى محراب شخصية متلفحة بالعباءة فى جلال ومهابة وكبرياء وعمة مثل جمال الدين الأفغانى.

وهكذا نمت على هذا التردد تلك الليلة ولعلّنى نمت وأنفى مفعم بأي رائحة للأفغانى، فقد رأيته فيما يشبه الحلم أو الطيف، وقرص إحساسى بذكرى ذات يوم مثلت فيه شخصية الأفغانى وأنا عضو جمعية التمثيل فى المدرسة الثانوية ويومها اندمجت لدرجة أننى فكرت أن أربى ذقنى بطريقته وأبحث عن لفافة عمامة بمثل تلك التى كان يضعها فوق رأسه.

وهكذا استيقظت فى اليوم التالى وإحساسى بالمسئولية كبير وترى كيف أقدمه للعصريين فى لفافة من الجاذبية والإغراء، إنه شخصية تاريخ حقًا جوهرة ولها وهج ومداد ومن أجل إغراء المستمع على البقاء فلماذا لا أبدأ معه بعناوين الإثارة الواضحة فى حياة الأفغانى: إنه أول من أسس حزبًا سياسيًا فى مصر! الإنجليز عرضوا عليه سلطنة وعرشًا ومملكة السودان! أسس فى باريس مجلة واستدعى الشيخ محمد عبده ليكون رئيس تحريرها! إنه مكتشف سعد زغلول واستاذ محمد عبده والنديم!

وبعد أن يروى الاستاذ الوردانى ملامح مهمة وخافية عن الأفغانى يقول: ومن أجل ساعة صوت العرب الرمضانية المجانية غصت وتهت وتلطمت وتشردت فى هذا البحر الزاخر يومين وليلة لاستخرج للمستمع بعض نادر اللؤلؤ منه، وبعدها رحت أطارد الأخ عبدالله لنتقن التسجيل، أما الحوار معه مع الأفغانى فيا خجلى .. ماذا أملك له غير الفم المغلق والرأس المنكس!

وتنتهى حكاية الوردانى هذه النهاية الغامضة!