الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
العقاد يهاجم «فتاة المرناة»!

العقاد يهاجم «فتاة المرناة»!

خناقة طريفة وعجيبة حول لفظ أو مصطلح كلمة «تليفزيون» دارت بين الكاتب الكبير عباس محمود العقاد والكاتب الصحفى الكبير إبراهيم الوردانى الذى رواها فى كتابه الممتع «يوميات مصرية» صدر سنة 1971 فى سلسلة كتاب اليوم، وتفاصيل الخناقة يرويها قائلا:



قبل أن يظهر التليفزيون بكثير.. فى مايو 1956 ومن أجل صنع موضوع صحفى أدبى للجريدة التى كنت أعمل بها، تسللت متخفيًا إلى جلسة الافتتاح الأبهة للمجمع اللغوى وهدفى أن أنقل إلى القُراء صورة مسامرة بطريقة الكاميرا لجلسة فريدة بين أضخم رؤوس أدبية مصرية معاصرة!

وتخفيت يومها وسط فتيان السكرتارية أتأمل كل شىء وأخذ اللقطات من أى شىء، وقبل الانصراف أخذ كتيبًا صغيرًا كانت توزع نسخة على الأعضاء من تجميع أو تأليف أستاذنا الصامد وعضو المجمع الكبير «محمود تيمور» وفيه قائمة من الألفاظ العا

مية أو الإفرنجية المتداولة يقترح تغييرها إلى ألفاظ مجمعية عربية قحة أوردها فى هذا الكتيب! الموضوع - وصف الجلسة - لم ينشر، وهذا ليس بهام، المهم أن ثمرة تلك الجلسة ظهرت فى أقصوصة قصيرة فى حجم العمود الصحفى، كتبتها بطريقة الألفاظ المجمعية التيمورية المقترحة وجعلت لها عنوانًا هو «فتاة المرناة» قصة عادية، دعوت القارئ أن يقرأ ترجمتها بالعربية التى تكتب بها فى موقع آخر من أعمدة الجريدة وكانت ترجمة العنوان هكذا: فتاة «التليفزيون».

وكانت تلك الأقصوصة وترجمتها من العربى إلى العربى نقدًا مهذبًا خبيثًا وبلا تعليق كثير نكمل به شوط اللذعات العصرية وراء المجمع اللغوى، هواية كُتاب الصحف ورسامى الكاريكاتير ومطلقى النكت أو النوادر فى ذلك الحين!

ودارت الأيام وأخذ التليفزيون مقعده الجماهيرى المستقر المنبسط على مصطبة العائلة المصرية الطيبة، انتشر وازدهر إلى درجة أن «العقاد» العظيم تنازل فى يومياته التى كان ينشرها كل أربعاء فى جريدة الأخبار اليومية واقترح مشددا ومتحمسا على الوزير الدكتور عبدالقادر حاتم أن يستجيب إلى رأى المجمع اللغوى ويغير اسمه من «تليفزيون» إلى «مرناة»!!

ويومها وأنا أكتب يومياتى مثله فى جريدة أخرى - رغم أى فرق - وبطريقة الدعاية البيضاء التى كنت أحوم بها أحيانا من حوله، علقت على اقتراح العقاد بأن أحرك ذكريات الأقصوصة القديمة فكتبت تعليقًا بدأته بالقول: أستاذنا العقاد وما كان أخف دمه يقترح كذا وكذا..

ورويت الحكاية!

وفجأة وعلى غير توقع مد العقاد ذراعه الطويلة الضخمة نحوى  ليجذبنى مقتلعًا شعر رأسى ليوقعنى تحت أقدامه أمام منصة الرأى العام، وكأننى ولد جارح سليط اللسان آن له أن يتأدب عند ذكر العقاد العظيم!!

وأبدأ ما توقعت أن يهتم العقاد بتلك النهضة الأدبية فى الصحف، وهكذا كانت المفاجأة لى عندما استيقظت ذاك الصباح «11 سبتمبر 1963» لأجد الشيخ السبعينى وقد وضعنى أمامه على طبق وبنواجذه راح يقطع أوصالى!! ماذا قال.. بماذا رد العقاد على دعابة خفة الدم؟!

قال: أشرنا فى يومية سابقة إلى اقتراح زميل فى المجمع اللغوى يستحسن فيه ترجمة التليفزيون بالمرناء ويسأل ويسأل الأستاذ السيد أحمد الصردى المدرس بدسوق بعد تلخيص يوميات قرأها فى هذا الأسبوع للأستاذ «إبراهيم ناصف الوردانى» «ملحوظة للقارئ أسمى ليس هكذا فهذا هو الاسم الكامل لصاحب أشهر اغتيال مصرى سياسى أو وطنى فى مطلع القرن العشرين»، فيقول: لقد جاءت كلمة «المرناء» هكذا فى يوميات سيادتكم بينما جاءت فى يوميات الأستاذ «إبراهيم الوردانى» هكذا «المرناة»، فأيهما الصحيح وماذا يقصد الأستاذ الوردانى بقوله عنكم: ما كان أخف دمه!

ومضى العقاد يقول فى رده: لا أظن أن الأستاذ الصردى يطالبنى أن أعلم شيئًا عن ذلك الأستاذ الوردانى غير ما أعلمه من جملة شأنه، استدلالا على سنة من اسمه، وتلك بضاعة كاسدة من مثله، وما كانت خفة الدم - سابقا - بالتى تنفعه حاضرًا فى هذه السوق، وإنما هى خفة أخرى تسول له أن يحشر نفسه برأس مال كهذا فى مسألة من مسائل اللغة أو الاختراع أو التعبير لم يحسن نقلها بحروف الهجاء ودع عنك النقل من معاجم اللغة ومراجع البيان».

انتهى كلام العقاد وليرحمه الله، كم كان ظريفًا!!