الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف إدريس وحوار توفيق الحكيم!

يوسف إدريس وحوار توفيق الحكيم!

إرادة الحياة «كان عنوان الحوار الممتع والمهم الذى أجراه د.يوسف ادريس مع أستاذنا الكبير «توفيق الحكيم» كاتب مسرحى ويحاور كاتبا مسرحيا أكبر منه سنًا وتجربة فى الكتابة للمسرح!



أكثر ما لفت نظرى فى الحوار هو المقدمة نفسها التى تقطر سطورها حبًا وعشقًا من يوسف ادريس للحكيم.

عنوان الحوار «إرادة الحياة» وقد نشر فى جريدة الجمهورية بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1960 أى منذ 72 عامًا بالضبط.

جاء فى مقدمة الحوار: «عدت من باريس كأننى من أهل الكهف «توفيق الحكيم أراد الحياة إلى درجة اعتزال الحياة!

رحت استمع، أو على وجه أصح أقرأ، توفيق الحكيم الكتاب، وأسهل ألف مرة أن تقرأ كتابًا لتوفيق الحكيم» من أن تقرأ توفيق الحكيم الكتاب!

وطبعا عندنا الآلاف يكتبون القصص والشعر ويؤلفون وفى أمريكا وروسيا عشرات الآلاف ينتجون ويرسلون للجرائد والمجلات ويدخلون المسابقات ويغذون برامج الإذاعة والصحافة والتليفزيون. أكثر من هذا أن أى إنسان عادى باستطاعته أن يروى أى تجربة شخصية مرت به أو حادثة رآها أو تصورها بطريقة تجذب الانتباه وتخضع لمقاييس الفن، ولكن لماذا لا يصبح كل هؤلاء الأدباء كبارًا، لماذا لا نجد الكبار فى كل بلد أو جيل أحادًا أو حتى معدودين؟!

السبب أن هناك فارقًا كبيرًا بين كاتب القصة أو المسرح الناجح وبين الفنان الكبير الذى يغير بإنتاجه معتقدات الناس ويترك العالم على غير ما جاءه، السبب فى رأيى هو خيط الفكر أو الفلسفة الذى لا بد من وجوده لكى يفرق بين حواديت جداتنا وبين قصص «تشيكوف» وبين المتحدث الذلق اللسان وخطيب الثورة وبين لوحات غرفة المائدة وأعمال دى ريفييرا وفان جوخ».

ويمضى د. يوسف ادريس قائلا: الحقيقة كانت اللوحة التى اشاهدها أروع، «توفيق الحكيم» الجالس إلى مكتبه أنيقًا، أشيب الشعر، جليلا تضمنا تلك الحجرة البحرية من حجرات المجلس الأعلى للفنون والآداب.. الحجرة التى اختارها توفيق الحكيم بعيدًا عن الأعين والناس لتكون كالصو معة أو المعتكف، الحجرة التى عاشت ردحًا ترزح تحت عبء السكون الأرستقراطى المهيب، ها هو الآن صمت الحراب يغمرها، ورياح الشتاء الأولى تداعب ستائرها المعدنية الخضراء وأشجار المانحو فى الخارج خضراء أيضًا طويلة وبلا ثمار، حتى الهواء نفسه داخل الحجرة أضحى أخضر ساكنًا، وكأنما ليشهد ويرقب ويستمع واللوحة كلها لا يتحرك فيها سوى «عين توفيق الحكيم: تلمع وتبرق وتومض لدى الفكرة بطريقة تكاد تحس معها بعقله وهو يعمل وبخواطره وهى تصطدم وتلتهب وتضيء!

وبدأت استمتع وأدرك لماذا احسست بحاجتى لزيارة توفيق الحكيم، إن بى ضعفًا ناحية كتاباته بالذات.. أحببت كل ما كتبه، ولا أزال أحب كل حرف يخطه وسرعته البخيلة فى إنتاجه لا تشبع نهمى، ولهذا كلما أحسست بشوق لقراءة كتاب جديد له ولا أجد الكتاب أذهب إليه فى المجلس الأعلى ربما لأقرأ الكتاب القادم قبل أن يصبح كتابًا، لأقرأه فى أصله وأزور أفكاره قبل أن تصبح كلمات على الورق وأعماله وهى أجنة تنقر قشرة الوعى مطالبة بحقها فى الميلاد!

وليست بى حاجة إلى قول إن قراءة كتاب لتوفيق الحكيم أسهل ألف مرة من قراءة توفيق الحكيم الكتاب، فدون هذا صعوبات واستحكامات، وملازم مغلقة فى حاجة لفاتحات ورق فنية حادة وقدرة على الالتقاط، فما تظفر به متوقف على جهدك، فالحكيم الكتاب كتاب أنت تقرؤه وأنت أيضًا من يكتبه وتختار موضوعه، إذ ما أن تنجح فى تخطى الدروع والاستحكامات حتى تجد نفسك أمام توفيق الحكيم كله، بكل ما كتبه وما لم يكتبه، بآرائه فى الناس والحياة بذكرياته وتطلعاته وعليك أنت أن تختار. كانت هذه مقدمة الحوار أما الباقى فحكاية أخرى!