الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف إدريس وفاتن حمامة والحرام!

يوسف إدريس وفاتن حمامة والحرام!

فيلم الحرام بطولة السيدة فاتن حمامة.. واحد من أهم مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، والفيلم مأخوذ عن رواية الدكتور يوسف إدريس الشهيرة «الحرام» ومن إخراج بركات وبطولة عبدالله غيث وزكى رستم.. والفيلم بالكامل تم تصويره فى الفيوم ومن أجمل مقالات د.يوسف إدريس هو ما كتبه عن مشاعره وهو يحضر تصوير الفيلم وكتب: «قضيت بعض أيام الأسبوعين الماضيين فى الفيوم مع فاتن حمامة وبركات ومنير رفلة وضياء ومجموعة من الفنانين والفنيين الذين كانوا يصورون فيلم الحرام، والحقيقة أن التجربة استغرقتنى تمامًا، فلقد اتبع الفنان بركات طريقة فريدة فى تصوير الفيلم، إذ جعل الفلاحين أنفسهم على هيئة «ترحيلة» يمثلون دور الترحيلة فى القصة!



والنتيجة كانت مذهلة لكل من رآها، فبعض الناس يعتقدون أن الفلاحين مثلًا أناس لا يمكن أن تكون بينهم وبين الفنون - وخاصة التمثيل - صلة باعتبار أن الفنون المتطورة نبعت واشتهر بها المتعلمون أهل المدن، ولكننا وجدنا فى الفلاحين مادة خام غنية غنى لا يتصوره عقل، باستطاعة اليد الماهرة أن تشكلها وتخرج منها عملًا فنيًا معجزًا.

ورغم أننى كان يجب أن أنصرف بكليتى إلى التصوير والقصة وما كانت تقوم به المجموعة من عمل شاق رهيب إلا أننى وجدت اهتمامى كله ينصرف إلى عمال الترحيلة الذين أحضرهم منير رفلة ليقوموا بدور الترحيلة أى القيام بالدور الخالد الوحيد الذى ظلوا يلعبونه مئات السنين وآلافها!

استغرقتنى تمامًا حياة هؤلاء الناس التى صادفتها بلا وعى وأنا طفل، واليوم أشهدها بكل وعيى وإدراكى وانتباهى! ولقد خرجت من استغراقي فى تأمل حياة هؤلاء الناس بأن أعتقد أننا فى القاهرة نحيا تحت تأثيرمخدر قوى اسمه المدينة بعماراتها وعرباتها وشوارعها الفسيحة ومتنزهاتها ومسارحها وسينماتها، والمواطنين الأنيقين النظيفين الذين يحيون فيها، والذين يستنكفون أن يدخنوا السيجارة مثلا إذا سقطت منهم على الأرض!

إن هذه المناظر التى تطالعنا صباح مساء تنسينا أحيانًا بل دائمًا ما تنسينا أننا شعب من الفلاحين، وأن الوجه الحقيقى لهذا الشعب ليس هو الوجه القاهرى المطلى بالألوان والدوكو، وإنما الوجه الحقيقى هو ذلك الشاحب الملىء بالحفر والحبوب الذي يدل علي النقص في التغذية، ذلك الذى يطالعنا إذا تحركنا بضعة كيلو مترات مبتعدين عن القاهرة!

هناك نرى أنفسنا وبلادنا على حقيقتها، هناك لا خداع ،هناك أدركت أننا برغم كل ما صنعنا وقمنا به من أعمال مجيدة خلال الثورة لم نستطع أن نغير كثيرا من صورة مجتمع القرية، فالفقر هناك لاتزال له الغلبة ولا يزال هو القاعدة المخيفة التى لابد أن يقشعر لها بدنك!

هناك حيث الملابس مهترئة والوجوه ذابلة كوجوه الموتى المحنطة التى امتصت منها القوة القاهرة كل ماء الحياة ونضرتها!

ويمضى د.يوسف إدريس قائلا فى مقاله «مخدر المدينة» المنشور فى كتابه «شاهد عصره» فيقول: هناك حيث وقفت سيدة أمريكية كانت تحضر التصوير وقالت والألم يلوى ملامحها: أقسم أنكم لكم الحق أن تفعلوا أى شىء فى سبيل أن تخلصوا هؤلاء الناس من هذه الحياة المرعبة وأن حاربتهم إلى آخر رجل، كى يستطيع هؤلاء الناس أن يحيوا الحد الأدنى من الحياة الجديرة بالإحسان إن هذا الفقر لا يعيبكم فأنتم لم تصنعوه وإنما ورثتموه ولكنه بالتأكيد يعيب العالم المتحضر كله، يعيب القوى التى تقف ضدكم ومنها للأسف بلادى التى تريد أن تمنع الطعام والملبس والمستقبل عن هؤلاء الناس أرجوكم افعلوا أى شيء وكل شىء قاتلوا، حاربوا الاستعمار أوقفوا هذا لاتجعلوه يستمر أوقفوه.

انتهى مقال د.يوسف إدريس وبقى أن تعرف أن فيلم الحرام بدأ عرضه فى 3 مارس سنة 1965 وبعد مرور 57 سنة من عرضه لايزال فيلمًا رائعًا خالدًا لا تمل من مشاهدته!