الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
توفيق الحكيم وصواريخ الوردانى!

توفيق الحكيم وصواريخ الوردانى!

فوجئ الأديب والكاتب الكبير الأستاذ توفيق الحكيم بما كتبه عنه الأستاذ إبراهيم الوردانى فى عموده الشهير «صواريخ» بجريدة الجمهورية، ولم يخطر ببال الوردانى سر غضب أو زعل الحكيم، أما الذى أغضبه فى الأمر!



ويحكى الأستاذ الوردانى الحكاية قائلا: تجرأت على الكاتب الكبير توفيق الحكيم، وحمت حول مقال له فى الأهرام تحت عنوان «تلاقى الأجيال» يحكى فيه عن تجربته مع ابنه «إسماعيل» عازف فرقة الجاز فى ملهى «ماريلاند» بمصر الجديدة وخروجه إلى سهرة استطلاع تحف به «حاشيته الأهرامية» مثل «صلاح طاهر» و«يوسف إدريس» وأخرين لم نرهم فى الصور، ولقطات شائقة له وتعابير بالقلم شنف بها الحكيم أذاننا وحواسنا وبأحلى من أية موسيقى يعزفها ابنه أو غير ابنه.

كنت كالعادة دائما مع توفيق الحكيم مؤدبا وبارا وشديد الحرص على جلال الهالة القومية التى يمشى بها فى ساحة الأدب بين الناس.. وبعد أن ظهر المقال دق التليفون أحد أصدقائى من أعضاء أسرة توفيق الحكيم الأدبية، وأبلغنى أنه لاحظ ضيقا خفيفا من توفيق الحكيم من فقرة جاءت فى المقال، ونصحنى الصديق بأن أبادر بالاتصال والاستمساح فالرجل يمنحك هذه الأيام حبا نغار منه!

حاولت أن أعرف من هذا الصديق فقرة الضيق تلك وأين تكون ولكن صديقى رفض أن يقولها بل هرب منى بأنه لا يعرفها، وهكذا تركنى لأعود وأتفرس فى المقال، هل زعل الحكيم من بعض وصفى له فى سهرة الملهى؟ أم زعل من وصفى لابنه وهو بسوالف الخنافس وجاكته الروب المرزكشة؟ أم زعل لأنى حكيت عن تزمت الحكيم المتحرر فى حياته الخاصة؟! إلخ

هكذا لم أتمكن فأكتشف تلك الفقرة المجرمة التى توشك أن تؤذينى فى علاقتى بتوفيق الحكيم، وهكذا نمت على عتاب أوقلق حتى بادرت فالتقيت به صباح الخميس فى التليفون وصباح  الخير وشبيك لبيك عبدك بين يديك!

وتصوروا بماذا ضاق صدر توفيق الحكيم.. لا شىء مما تصورته تجهم له، كل شىء بديع وعال العال والمقال قرأناه فضحكنا وضحك كل من معنا ولكن!

نعم.. ولكن تلك هى التى أريدها يا عم توفيق.. أيوه ولكن هناك وصفا أثار الأزعاج وترددت له ومعه علامات الاستفهام، فهل بينك وبين «صلاح طاهر» و«يوسف أدريس» شىء لتصفهما بالحاشية؟!

ويكمل الأستاذ الوردانى: أخذت نفسا مستريحا مندهشا فما قصدت إلا تعبيرا قوميا أقوله، فبادر ينفى أن أيا من صلاح أو يوسف قد أبدى له احتجاجا أو نفورا ولكنها خواطرة الشخصية، فما أنا بين هؤلاء الناس إلا توفيق الحكيم زميلهم العجوز الضعيف المنصرف!

فترة صمت يعود بعدها توفيق الحكيم ليسألنى فى رقة وقهقهات هيئة مستدرجة، هل أمامى الآن ورقة وقلم أكتب هذا التصريح أو التصحيح من أجل خاطرى ومطلبى منك أو شرطى وقبل أن أقوله أن تنشره بلا تعليق!

ابتسمت وأنا أغوص أحيانا فى بعض المكر من توفيق الحكيم حين يشاء أن يخفى حذقه الأكبر تحت السطح.. أتراه شديد التواضع أم شديد الترفع!

قلت له مرحا: حسنا يا عم توفيق وأنت تفهمنى فاغفر لى زلة قلمى الأثيم وصحح ما شئت، وهذا أنا والقلم ملك يديك وحاسبنى صباح الأربعاء على النقطة والشولة والقوس!

قال توفيق الحكيم: إن الفضل فى فهمه لابنه يرجع إلى اثنين من أهم أقطاب التجديد فى بلادنا هما الأستاذان «صلاح طاهر» و«يوسف إدريس» كل منهما فى مجاله وجيله والأجيال التى بعده.. إنهما بحكم قيادتهما الفنية للشباب يفهمان اتجاهاته وخلجاته، وهما بالذات اللذان يحرصان على الاقتراب من ابنه ويمدانه باستمرار بدفء التيارات المتجددة الحية ويجرانه إلى حيث الالتقاء بالشباب وهو يسير خلفهما أول الأمر صاغرًا ثم بعد ذلك مبتهجا وشاكرا.

انتهى تصريح توفيق الحكيم.. ولا تعليق!

والحكاية التى رواها الأستاذ الوردانى ودلالتها الكبيرة هم ذلك التواضع المذهل من توفيق الحكيم رغم مكانته الرفيعة.