الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
يوسف إدريس ولقاء الملكة فريدة!

يوسف إدريس ولقاء الملكة فريدة!

كان آخر ما يخطر على بال وعقل «د.يوسف إدريس» أن يلتقى فى باريس مع «الملكة فريدة» الزوجة الأولى والسابقة للملك فاروق!



كانت المناسبة أو الصدفة هى عرض مسرحية «فيدرا» على المسرح القومى فى باريس بطولة سميحة أيوب وأمينة وعبدالله غيث وفردوس عبدالحميد، وكان سعد الدين وهبة رئيس البعثة الفنية التى ذهبت لباريس، وكان د.يوسف إدريس وقتها يشارك فى ندوة عن آداب الشرق الأوسط مع آخرين منهم الأستاذ يحيى حقى والشاعر عبدالوهاب البياتى وآخرون.

ويروى د.يوسف إدريس الحكاية بقوله:

كنا هكذا حين قابلنى الصديق الفنان «سعد الدين وهبة».

وقال: أتعرف هذه السيدة الواقفة هناك؟!

نظرت إليها بإمعان وهززت رأسى ببطء، فلم أكن أعرفها.

قال: هذه هى «الملكة» فريدة؟!

الملكة فريدة انشق فى ذهنى شريط طويل من ذكريات مريعة عن عصر الملكية والملكة الجميلة الأولى، وفاروق والطفل الصغير الذى كنته، وأبى يرفعني فوق أكتافه فى ميدان الأوبرا لأشهد موكب التتويج، ثم الزواج وتلك الصورة التى كانت تباع بقروش للعروس الملكة والتى اشتريتها وعلقتها فى عروة جاكتتى الصغيرة.. إذن هذه هى الملكة فريدة!

قال سعد الدين وهبة: أعرفك بها!

وقدمنى إليها، وفوجئت أنها لا تعرفنى فقط وإنما تواظب على قراءة ما أكتبه وما يكتبه المصريون والعرب.

ومرة أخرى عاد الشريط يلف فى رأسى بعد أن أصبحت الملكة الرسمية، وبدأت صورها تظهر فى الصحف صور ـ رسمية جامدة، جميلة هذا صحيح، ولكنه ذلك الجمال المتعالى والذى  يجب أن يكون ملكيًا ومتعاليًا، باختصار غير إنسانى، واستغرب أنا وأتألم وقد فقدت فى رأيى البنت الحلوة التى كنت أعلق صورتها فى عروتى وها هى قد أصبحت ملكة.. لا يبدو على وجهها ـ رغم ابتسامتها ـ أى سعادة بالمرة!

والآن ها هى أمامى.. سعيدة كما لم أر إنسانة سعيدة هكذا، كيف والهالة الملكية قد غادرتها إلى الأبد..

وهى الآن مجرد مواطنة وفنانة ترسم وقارئة وقادمة مثلها مثل أى فنانة أو مواطنة عادية تحتفل معنا بفريق المسرح القومى وتهنئنا وتأخذ معه الصور.

هالنى ذلك البريق السعيد الذى كان يشع منها ورحت أحاول تفسيره!

ولم أتعب كثيرًا لتفسيره.. إن السلطة كالثراء الفاحش قاتلة لإنسانية الإنسان، فهى تبعده عن البشر وتمنع عنه الانتماء وتحيله إلى كائن مكتئب وحيد..

عليه أن يكون وحيدًا وبعيدًا لكى تحفظ له هالة السلطة والثراء.. وهذا أبدًا ليس من طبيعة البشر فى حاجة للانتماء، فى حاجة ماسة أن يكونوا «عاديين» ليكون لهم إحساس البشر وحس البشر وطعم البشر وإنسانية البشر!

ويكمل د.يوسف إدريس انطباعاته قائلًا:

ها هى المواطنة «فريدة» سعيدة أسعد ألف مرة عن كونها متوجة أو ملكة، فهى أخيرًا قد وجدت قبيلتها البشرية والإنسانية.

وأخيرًا قد أصبحت امرأة وفنانة ومنتمية وسعيدة بعاديتها، سعيدة أنها «وسط» مواطنيها وليست «فوقهم»، سعيدة يشع قلبها بسعادة لم تر مثلها وهى شابة، جميلة رغم تجاعيدها ألف مرة أكثر من جمالها وهى فى العشرين، مبتسمة هذه المرة، ليس «كبوز» ملكى وإنما ابتسامة بشرية نابعة من أعمق أعماقها.

ما أحمق هؤلاء الذين يتكالبون على السلطة ويفقدون كل ما يجعلهم بشرًا ليحصلوا عليها ويحتفظون بها، إذ فعلًا يحصلون على القوة والنفوذ ولكن مقابل أن يموت فيهم كل ما هو جميل وإنسانى، وكل ما يجعلهم فعلًا ومن أعماقهم سعداء».

انتهت الحكاية وتبقى دلالتها يا دكتور يوسف!