الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مصر والسعودية.. شعب واحد

مصر والسعودية.. شعب واحد

منذ فجر التاريخ، وقبل أن توحد لغة القرآن الكريم بين الشعوب من المحيط إلى الخليج، كان البحر الأحمر شريانا للحياة، وجسرا للتقارب والاندماج بين الشعبين الشقيقين فى مصر وشبه الجزيرة العربية، وقوة دفع رئيسية لتأسيس علاقات أخوية قوية ترتكز على روابط الدم والنسب والمصاهرة، والتاريخ الواحد والمصير المشترك.



■ ■ ■

 ما بين مصر والسعودية العديد من القواسم المشتركة الدينية والسياسية والاقتصادية، قائمة على قواعد التاريخ والجغرافيا، وسيخلد التاريخ المواقف البطولية بأحرف من نور، حيث امتزجت دماء المصريين والسعوديين دفاعا عن تراب الوطن المقدس، حيث خاض الشعبان معارك مختلفة للحفاظ على أمن واستقرار الأمة العربية، حيث تمكن الأسطول البحرى المصرى من مواجهة أطماع البرتغاليين ومنعهم من السيطرة على بلاد الحجاز فى بداية القرن السادس عشر، وعند دخول الحملة الفرنسية مصر، أعلن إمام الحرم المكى الشيخ محمد المغربى الجهاد لمساندة الشعب المصرى فى حربهم ضد المستعمر الفرنسى، ولبى النداء الآلاف من أبناء الحجاز.

■ ■ ■

مع توحيد البلاد، وإعلان اسم المملكة العربية السعودية فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى، أخذت العلاقات بين البلدين طابعها الرسمى والتقليدى، وضعت مصر اللبنة الأولى لعملية البناء والتنمية، حيث قام طلعت باشا حرب بزيارة إلى مكة المكرمة عام 1933 على رأس وفد رفيع المستوى لتقديم حزمة المشاريع الاقتصادية والتنموية من بينها إنشاء فرع لبنك مصر وبناء فندق حديث بمكة، وافتتاح خط طيران بين القاهرة وجدة، وكان فى استقباله الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ونائبه الملك فيصل رحمهما الله، وهنا ألقى أحد الشباب قصيدة حماسية قال فيها: «لو مشيت مصر نحو «مكة» شبرا.. لمشت «مكة» إلى مصر ميلا.

 نعم.. « لا غنى للعرب عن مصر.. ولا غنى لمصر عن العرب».. كانت تلك وصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود لأبنائه فى أول زيارة له لمصر، ونفذ الوصية الأبناء الملوك السابقين، جيلا بعد جيل، حتى ارتقت العلاقات بين البلدين فى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولى العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الشراكة الاستراتيجية، إيمانا من قيادة البلدين بأن مصر والسعودية جناحا الأمة العربية، وركيزة أمنها واستقرارها، حيث تمتلك الدولتان القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

■ ■ ■

المواقف التاريخية أثبتت قوة ومتانة العلاقات بين البلدين الشقيقين على المستوى الرسمى والشعبى، فمنذ التوقيع على معاهد الصداقة واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، كان للسعودية مواقف بطولية، فقد كان لها دور بارز فى مواجهة العدوان الثلاثى، حيث انضم الملك سلمان وثلاثة من أشقائه هم الملك فهد والأمير تركى والأمير محمد إلى المقاومة الشعبية لمواجهة العدوان الثلاثى، كما دعمت مطالب مصر أمام المجتمع الدولى بجلاء قوات الاحتلال.

■ ■ ■

 وفى حرب أكتوبر 1973، لم ينس المصريون المواقف المشرفة للملك فيصل رحمه الله، الذى أمر بمشاركة قوات سعودية فى الحرب، وكان أول قائد عربى يزور الجبهة المصرية بصحبة الرئيس الراحل أنور السادات، واستخدم سلاح البترول لدعم الجيش المصرى، ولإجبار أمريكا لوقف إمدادها إسرائيل بالسلاح، حيث أبلغت الخارجية السعودية واشنطن عن بالغ استيائها، وأن تأثير ذلك على الدول العربية سيكون سيئا.

■ ■ ■

الملك عبد الله بن عبد العزيز، سار على نهج أسلافه من الملوك العظام للسعودية، فقد كان شخصية عروبية من الطراز الأول، محب لمصر وشعبها، منفذا لوصية والده المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، فبعد ثورة 30 يونيو، لم يتردد فى مساندة مصر فى مواجهة الإرهاب والفتنة والضلال، مؤكدا التصدى لكل من يحاول المساس بشئون مصر الداخلية، كما أصدر قرارا تاريخيا بإعلان الإخوان جماعة إرهابية ووضعها على قوائم الإرهاب، كما وجه رسائل إلى قادة العالم حملها وزير خارجية خادم الحرمين الشريفين الأمير سعود الفيصل بأن المساس بأمن مصر هو مساس بالسعودية.

وفى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، والملك سلمان بن عبد العزيز وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، شهدت العلاقات بين مصر والسعودية طفرة كبيرة على كل الأصعدة الرسمية والشعبية، إيمانا من قيادة البلدين بأن القاهرة والرياض ركيزتا الأمن والاستقرار فى المنطقة، ودائما ما يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على توجيه الشكر والتقدير للأشقاء فى دول الخليج، وفى القلب منها المملكة العربية السعودية، التى دعمت وساندت الشعب المصرى فى أصعب الظروف والتحديات، كما أكد أن مصر تقف بجانب الأشقاء فى الخليج قلبا وقالبا، وأن أمن الخليج خط أحمر، وأن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمن الخليج العربى، وأن مصر تتضامن مع السعودية فى الدفاع عن أمنها واستقرارها.

■ ■ ■

 تلك العلاقات المتميزة بين البلدين كان لها تأثيرات ايجابية على الجانب الاقتصادى، حيث تمثل مصر أهمية اقتصادية للملكة، لما تمتلكه من فرص استثمارية واعدة، وسوقا كبيرة للمنتجات السعودية، وبوابة للأسواق الإفريقية، كما تمثل السعودية أهمية كبرى للاقتصاد المصرى باعتبارها سوقا للصادرات المصرية وبوابة دخول للمنتجات المصرية للأسواق الخليجية، حيث شهدت السنوات الأخيرة زيادة فى الاستثمارات، وحجم التبادل التجارى بين البلدين.

■ ■ ■

قطعا، فإن العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية، ستظل أبدية ومصيرية بحكم التاريخ والمصالح المشتركة، والعلاقات الأخوية التى ترتكز على روابط الدم والنسب والمصاهرة، كما ستظل الدولتان الشقيقتان صمام أمن وأمان المنطقة، وركيزة أمنها واستقرارها فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.