السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أول مقال سياسى  لـ «روزاليوسف»

أول مقال سياسى لـ «روزاليوسف»

الصدفة وحدها جعلت السيدة «روزاليوسف» تكتب أول مقال سياسى فى حياتها بالمجلة عدد 21 أبريل سنة 1926 عندما تلقت دعوة لحضور محاكمة «أحمد ماهر» ومحمود فهمى النقراشى المتهمين باغتيال السردار الإنجليزى.



كان عنوان المقال «فى محكمة الجنايات ملاحظات ممثلة وصحفية» واستغرق صفحة كاملة من المجلة وقالت فيه:

لم يسبق لى أن دخلت محكمة ما أو شهدت محاكمة اللهم فى الروايات التمثيلية وفوق خشبة المسرح، وكنت فى معظم الأحايين آخذ مقعدى فى قفص الاتهام.. ولكن قضاتى كانوا دائمًا تأخذهم الشفقة علىّ ويصدرون حكمهم بالبراءة فيصفق الحاضرون فى الجلسة من الممثلين وأنحنى للجمهور وينحنى معى قضاة المحكمة.

ولقد قام بخاطرى أخيرًا أن أشهد محاكمة المتهمين فى قضايا الاغتيال فذهبت، وهكذا لأول مرة حضرت محاكمة حقيقية، ولأول مرة نعمت بشرف الجلوس على مقاعد الصحفيين، وكذلك لأول مرة حُرمت من الجلوس فى قفص المتهمين وتصفيق الجمهور!

ذهبت إلى المحكمة وقد أعجز عن تحديد الأسباب التى حملتنى على الذهاب.. ولكن ذهابى على كل حال لم يكن لمجرد «الفرجة» وحسب، بل لعل سر هذه الرغبة ميل خفى إلى المقارنة بين ما نفهمه نحن الممثلات والممثلين عن المحاكمات و«أبطالها» من قضاة ومحامين ومتهمين.. وبين حقيقة ما يجرى فى المحكمة وما يمر على وجوه هؤلاء القضاة والمحامين والمتهمين من العواطف المختلفة والانفعالات المتعددة!

وإنى الآن لأقارن بين القاضى الحقيقى «مستر كرشو» وبين الممثل «بشارة واكيم» أفندى رئيس قضاة المحكمة فى رواية «جاكلين».. فلا أستطيع إلا أن أبتسم! فبينما «بشارة واكيم» يرى أن من واجب القاضى أن يجلس على كرسى القضاء منتفخ الأوداج «مكشر» يتكلم بعظمة و«تُقل» ويكثر من «الزغر» نحو المتهم.. إذا بى أرى القاضى الحقيقى «مستر كرشو» جالسًا فى هدوء وطمأنينة.. ابتساماته أكثر من زغراته، يلعب بقلمه تارة ويداعب زر طربوشه تارة أخرى. وقد أمسك بيده منديلًا حريريًا زاهى الألوان لا تخجل أى غانية حسناء من حمله بيدها يمسح به وجهه أو يخفى وراءه فمه وهو يتثاءب!

ولا شك عندى أن «مستر كرشو» كان فى لعبه بقلمه وزر طربوشه وفى تثاؤبه أقرب إلى الطبيعة من «بشارة واكيم» فى نفخته وعظمته المتكلفة.. والذى يفهمه «بشارة» عن «شخصية» القاضى هو نفس ما يفهمه معظم الممثلين!

وقل المثل عن المتهمين، نحن نفهم أن قواعد الفن والتمثيل الصحيح تقضى على المتهم «الممثل» أن يجلس فى قفص الاتهام  بيده منديل والأفضل أن يكون غامق اللون ليمسح به من وقت لآخر دموعه الوهمية، وأن يكثر من التطلع إلى سماء المسرح كأنه يشهد السماء على براءته، وإذا تكلم كان ذلك بصوت متهدج، وفيه شىء من الألم الصامت المستكين! هذه هى النظرية المسرحية المحترمة.

ولكن الدكتور «أحمد ماهر» نقض هذه النظرية من أساسها وقضى على احترامى لتعليمات وإرشادات المديرين الفنيين فى الفرق التمثيلية، لم يكن بيد الدكتور ماهر منديل، وإنما كان بيده «سبحة» أخذ يعد حباتها وينصت إلى ما يقال فى ثبات وبرود انجليزى لم يخرج عنه إلا مرة واحدة!

وأما المحامون فقد كانوا عندى ـ قبل أن أشهد المحاكمة ـ أعلام الفصاحة وحسن الإلقاء الجديرون بمقاعد المحكمين فى لجنة المباراة التمثيلية، ولكننى الآن أنصح لبعضهم أو لواحد منهم على الأقل بأن يأخذ دروسًا فى الالقاء وكيفية السيطرة على مخارج الألفاظ! قام أحد المحامين ولا داعى لذكر اسمه ـ وأراد أن يوجه سؤالا إلى أحد الشهود فاستغرق نحو دقيقة فى «الفأفأة والوأوأة» وربما كان حضرة المحامى المذكور ممن يشهدون التمثيل ثم يخرجون ساخطين علينا نحن الممثلات والممثلين ساخرين من تمثيلنا وإلقائنا وسوء نطقنا!! وتنهى «روزاليوسف» مقالها بالقول: إلى هنا يقف القلم وقانى الله شر زلات القلم!». وللذكريات بقية!