الثلاثاء 16 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نجيب محفوظ وذكريات الراديو!

نجيب محفوظ وذكريات الراديو!

لعبت الإذاعة دورًا مهمًا فى حياة أديب نوبل الكبير الأستاذ «نجيب محفوظ» وقد تحدث عن هذا الدور فى مذكراته المهمة التى رواها للناقد الكبير الأستاذ رجاء النقاش وعن بعض ذكرياته يقول:



عندما ظهر الراديو وبدأت الإذاعة المصرية عام 1934 أخذت مسارح روض الفرج فى التلاشى، فقد قدمت الإذاعة الأوبرا والأوبريتات القديمة واكتفى الناس بسماعها فى الراديو، وأذكر يومًا أننى كنت أجلس فى غرفتى منهمكًا فى الكتابة وفجأة سمعت فى الراديو مشهدًا من إحدى المسرحيات التى شاهدتها فى روض الفرج، فقفزت من مكانى وألصقت أذنى بالراديو، واكتشفت أن المسرحية من أعمال «سيد درويش» وكنت أحفظها وأرددها دون أن أعرف اسم المؤلف، وكثير من الأعمال التى شاهدتها فى روض الفرج كنت أحفظها وأرددها دون أن أعرف مؤلفها الأصلى.

وعندما ظهر الراديو كنت أفضل الاستماع إلى حفلات أم كلثوم فى راديو المقهى خاصة أن أسعار تذاكر الدخول أخذت ترتفع بمرور الوقت بل تحول أمر الحصول على تذكرة لإحدى حفلاتها إلى أمر شاق، وكانت آخر حفلة حضرتها لأم كلثوم فى مسرح الماجستيك.

ومع حبى لأم كلثوم لم أعرفها معرفة شخصية ولم أتحدث إليها مباشرة إلا مرة واحدة فقط، وذلك فى الحفلة التى أقامتها جريدة الأهرام لتكريمى بمناسبة بلوغى الخمسين من عمرى سنة 1961، حيث اتصل بها الأستاذ «محمد حسنين هيكل» وعرض عليها حضور الحفلة فوافقت دون تردد، وكانت مفاجأة لى لأننى لم أتوقع أن يكون لها اهتمامات بالقصة والرواية، وكنت أسمع الكثير عن ثقافتها واهتمامها بالشعر ولم أتخيل أن توافق بهذه السهولة على المشاركة فى احتفال أدبى خالص، وكانت هذه هى المرة الوحيدة التى التقى فيها مباشرة بالسيدة أم كلثوم!

ويكمل نجيب محفوظ: لم أتعصب فى حياتى للون من ألوان الغناء، وفى الغالب تجد أن من يحب القديم فأنه لا يميل إلى الجديد والعكس صحيح، أما أنا فقد أحببت القديم والجديد معًا، وعندما ظهر نوع آخر من المطربين الذين يقلدون الفرق الغنائية الغربية وروجوا للأغانى المسماة «الفرانكو آراب» ورغم أننى أعتبرها خارجة عن الموضوع وعن الغناء والطرب الشرقى فإننى وجدت فيها بعض الملاحة وكنت أتابعها، ثم جاءت موجة الأغانى الشبابية وأحيانًا استمع إليها وأنا راكب السيارة مع ابنتى، ولكننى لا أستطيع التمييز بين أصوات أصحابها، ودائمًا ما أخطئ فى أسمائهم، لأن الأنغام متقاربة والأصوات متقاربة، استمعت منهم إلى أغنيات لطيفة ولكنى لم أجد فرقًا يذكر بين حنجرة وأخرى، كما لم أجد من بينها صوتًا له شخصية خاصة!

والمطرب الوحيد الذى استطاع الحفاظ على تميزه وسط هذا الطوفان الغنائى منذ وفاة «عبدالحليم حافظ» وحتى الآن هو «أحمد عدوية»، وعدوية فى رأيى صاحب صوت قوى ومؤثر وله أسلوبه الشعبى المميز وأغانيه الكاريكاتيرية الظريفة لا يجاريه فيها أحد.