
د. طارق الغنام
إلى أين نذهب؟
قد يتبادر إلى ذهنك بعد أن قرأت هذا العنوان أنه يشير إلى مقترح لقضاء أمسية ممتعة فى مكان ما.. ولكن فى الحقيقة أنك لم تصب الهدف، فالغاية من هذا العنوان هى المساعدة على تحديد هدفك من هذه الحياة ووجهتك، وبالتالى تعيين خطواتك القادمة، فالحياة تعج بالمقاصد، وقد تؤمن بفكرة ما بعد التقلب بين أفكار كثيرة وتطمئن لها، وتصبح هى الوقود المحرك لسلوكك لبلوغ مقصد ما، فتحدد الغاية فى ذهنك وتشرع فى تحقيقها.
ولكنك وأنت بصدد تحديد مقصدك قد تصيب وقد تخطئ، فقد تكون أفكارك متطابقة مع الواقع وتتسق مع الحالة الفعلية للأمور وتعتبر أن اتجاهك فى التفكير هو الأمثل لأنك تفكر بروح العصر، وقد ترى أن مسايرة متطلبات الزمن الذى نحياه من شأنه أن يمحو شخصيتك وأن المسألة تحتاج إلى مزيد من التعمق بأن تتسق أفكارك مع الواقع فى الأمور ذات الطابع العام، أما ما يتعلق بأمورك الخاصة فهى تخضع لمحض أفكارك الخاصة، وقد ترى أن هذا الأسلوب فى التفكير كله خاطئ وأن الصواب أن تحكم على الأمور وفقًا لإدراكك لها؛ وطبقًا لما اكتسبته من خبرات دون أن تكترث لأى نقد من الآخرين، وقد تقول لنفسك الصواب هو أن أتقيد فى كل تصرفاتى وأفكارى بما نشأت عليه من مبادئ وتقاليد ولو تطلب الأمر أن أقسو على نفسى أو أضحى بمصالحى الخاصة.. وأحيانًا تقول كل هذا هراء والصواب أن أقيس كل الأمور وفقًا لمصلحتى، ولا ألتفت لشىء سواها، ولكن ربما تتوقف للحظات وتقول، لما أجهد نفسى، فالحياة أبسط من ذلك، فلندع الملك للمالك، ويكفى أن أتحرى فى تصرفاتى وأفكارى الصواب أياما كان، فيكفى أن أقترب من الصواب وإن عجزت عن تحقيقه.. ولكننا قد نفاجأ بأشخاص فى حياتنا لا يبالون بكل هذه الأفكار فأساس تصرفاتهم قائمة على رد الفعل، فهم فى حالة انتظار دائم لإبداء مواقفهم من الأمور بقبولها أو تأييدها أو الركون إلى الحياد، وفى مقابل هؤلاء تجد من يعيش هذه الحياة وقد تمكنت منه حالة الشك والظن فى كل ما يدور من حوله، وهذا قد يدعوك إلى أن تًقوم من أفكارك؛ وترى أنها فى كل الأحوال يجب أن تتسق مع المنطق.. ولكنك وبعد أن أمضيت هذه الرحلة مع النفس تصبح على يقين من أنك فى كل الأحوال لا تستطيع أن تغفل تأثير محيط الدائرة التى تعيش فيها من أقارب وأصدقاء وزملاء وجيران على أفكارك، وتدرك أنك أحيانًا تعيش وفقًا لنص يكتبه لك آخرون ووفقًا لما يؤمنون به من أفكار، ووفقًا لضغوط ظروفهم، وأنك لا تملك سوى أن تسير فى طريق مرسوم لك، وتجد نفسك تتقبله بحاله لأنك لا تستطيع أن تعيش بمعزل عن الآخرين وأنك تحتاج لحبهم وتقبلهم.
وعلى أى حال فقد نقتنع بوجهة ما ونبذل جهدًا مضنيًا لنصل إليها؛ وما أن نصل إليها حتى نفاجأ بأننا كنا نسير فى الاتجاه الخطأ؛ وأننا حققنا انتصارات جوفاء؛ ونجاحات على حساب أشياء نكتشف فيما بعد أنها كانت أكثر أهمية، لذلك قد يكون من الأهمية؛ قبل اختيار وجهتنا، أن نتعرف على قيمتنا الحقيقية فى هذه الحياة، فمن خلال التعرف على قيمتنا يسهل تحديد وجهتنا.. وهناك طريقة سهلة يمكنك التعرف بها على قيمتك الحقيقية.. فتخيل نفسك وقد ذهبت إلى جنازة شخص ما تحبه وأنك تلتقى بأهل المتوفى وأصدقائه الذين تشعر بصدق مشاركتهم للوعة الفراق من قلوبهم، ولكنك تكتشف فجأة أن هذه الجنازة هى جنازتك وأن الناس قد حضرت لتكريمك وللتعبير عن مشاعر حبهم وتقديرهم.. فحاول أن تصفى ذهنك وتخيل ما تريد أن يقال عنك، فهذه الفكرة طرحها «أوليفر ويندل هولمز» وقال فى حفل تأبينك تخيل أن هناك أربعة متحدثين الأول هو أحد أفراد أسرتك والثانى هو أحد أصدقائك والثالث هو أحد زملاء العمل والرابع من الجيران، فماذا تود أن يقوله كل واحد من هؤلاء عنك وعن حياتك وكيف تريد وصفك؟ ما الشخصية التى تود أن يراك عليها الجميع؟ وما الإسهامات والإنجازات التى تود أن يتذكروها؟ وما الفرق الذى تود أن تحدثه فى حياتهم؟ عندها ستدرك مقصدك ووجهتك الصحيحة فى هذه الحياة وعندها ستحدد أفكارك عن المال والشهرة والإنجاز.