الأربعاء 3 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ناصر عبدالمنعم..الباحث عن الهوية

ناصر عبدالمنعم..الباحث عن الهوية

للعام الثانى على التوالى يكرم المخرج المسرحى ناصر عبد المنعم ولكن هذه المرة فى مهرجان له طبيعة خاصة، كرمه مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى بعد سنوات من العطاء الكبير ضمن فعالياته حيث كان أول مخرج شاب يحصل على جائزة المهرجان التجريبى فى دوراته الأولى بعد قراره بضروة تقديم شيء مميز ومختلف لا يشبه أحدا، كرمه العام الماضى المهرجان القومى للمسرح المصرى وكان لكاتبة هذه السطور شرف تحرير كتاب التكريم عن مسيرة ناصر عبد المنعم المسرحية، سرت فى هذا الكتاب على فكرة البحث عن الهوية، باعتباره أكثر مخرج مسرحى حمل هم البحث والتنقيب عن تراثنا المهمل.



شاب أسمر سحره عالم النوبة والجنوب، ربما كان للسمرة صلة بالحنين إلى جذور أجداده لمعرفة المزيد عن أسرار ما شكل حضارة تلك الجذور والسمرة النابعة من طمى النيل، كانت سمرة غالبة لها عظيم الأثر فى توجهه نحو فتح جروح مجتمعات منسية تحيا على أطراف العاصمة، ولد المخرج ناصر عبد المنعم عام 1958 لأب ينحدر من جذور سودانية أو متعلقة بالنوبة السودانية وأم سكندرية، وهو الفضول الذى دفع الشاب الصغير «الابن» لمعرفة المزيد عن أهل هذه المنطقة، ثم بدأ يبحث عن الرابط بين النوبة المصرية والنوبة السودانية، أبصرت عيناه ما لم يبصره غيره فى الظلمة القاحلة، ظلمة ليست لها نهاية فى واقع أدركه وفتح أفق وعيه ليضيىء من حوله شموع الفكر والتأمل فى تلك الظلمة المقبضة، فتح لها أنوار وأبواب الظهور للواقع للتعرف عليها أولا ثم إدراكها ونقدها أو نبذها ثانيا، أدرك المخرج المسرحى الكبير ناصر عبدالمنعم أن لديه كنزا مدفونا فى عالم الجنوب والصحراء، الذى يحمل هم خجول متوار عن المواجهة مع الواقع والالتحام به، يخشى الخضوع للجدل والمساءلة والتفكيك لإعادة النظر فيه من جديد، هم تراثنا الباقى فى قيم وعادات وتقاليد بالية خاطئة، أفسدت مجتمعات وأجيال توارثتها عن قناعة «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».. 

 بدأ عبد المنعم رسم ملامح تجربته بالبحث عن الهوية والذهاب إلى مناطق شائكة خرج من عباءة الموضوعات التقليدية ليفتح أفقا على تراثنا المهمل، يعتبر أول مخرج مسرحى مصرى يحصل على جائزة أفضل مخرج عن عرض «الطوق والأسورة» ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى عام 1996، ثم حصد العرض أيضا جوائز دولية فى إعادته للمرة الثانية، كان العرض المصرى الأول الذى يحصل على جائزة سمو الشيخ محمد بن سلطان القاسمى لمهرجان الهيئة العربية للمسرح عام 2018، ثم جائزة أفضل عمل متكامل عن نفس العرض بأيام قرطاج المسرحية عام 2019، وبالتالى تعد أعماله صاحبة تمثيل وتواجد استثنائى بين عروض المسرح المصرى.

يقول عن التجريب ومصطلحه الشائك.. «جاء التجريبى 1988، تحولنا من مجرد متحدثين نشاهد ونسمع إلى فاعلين داخل المكان، انتقلنا إلى «استوديو الطليعة» عام 1988 للتجارب الصغيرة، أخذنا الفرصة للمشاركة فى المهرجان التجريبى للمرة الأولى، حتى أنه فى الدورة الأولى شارك من الطليعة وحده تسعة عروض مصرية، كان لى من بينهم «رحلة حنظلة»، بعد سنوات من المناقشة كنا نتحدث من 86 ونقدم مشاريع ويتم رفضها حتى أنشئ استوديو مسرح الطليعة.

   ويضيف: «حضر الغرب بثقافته وتطوره الطبيعي، أعنى اعتمادهم فى تلك الفترة على مسرح الجسد وانتفاء الكلمة، كنت أرى أن هذا تطورهم الطبيعي، لأنهم بدأوا من اليونان ثم مسرح العبث ثم شكوا فى قدرة اللغة على التواصل، دخلوا إلى عالم الجسد فاللغة من وجهة نظرهم أصبحت ليست وسيلة التعبير الحقيقية، توصلوا إلى أن اللغة كاذبة وليست دالة، لذلك قرروا التخلص منها إلى وسيلة تعبير أصدق فكان الجسد، وبالتالى جاءت هذه الفلسفة للغرب نتيجة رحلة وتطور طبيعى وتراكم، كان علينا أن نبحث عن خصوصية تؤهلنا للتنافس مع هذا الغرب المتطور صاحب المناهج الجديدة فى عالم المسرح.

فى «الطوق والأسورة» الفتاة ذهبت إلى المعبد وفى «أيام الإنسان السبعة» ذهبت للشيخ..!، جمال هذه الموضوعات أنها تمكنا من تفكيك التراث، هذا التراث المهيمن على الناس بطريقة كبيرة وقابض على أرواحهم، كنت أحب الجدل والبحث وراء الأشياء الأسطورية والتكوين الذهنى للمواطن البسيط، فى الصعيد لدى تجارب «خالتى صفية والدير» لبهاء طاهر، و«الطوق والأسورة» ليحيى الطاهر عبد الله، كما أشرت إلى أن الرواية مثل الغول، عندما يدخل عليها المسرحى إما أن تسيطر عليه، ويصبح مرددا لها وبالتالى تتمكن منه، أو أن يدخل عليها بقوة بهدف محدد، ويختار منها ما يريد، «الطوق والأسورة» كانت تحمل خطوطا درامية متعددة على مستوى الدراما والأزمنة والشخصيات، طبيعة الرواية تتضمن تفريعات لا تصلح للمسرح، فى الإعداد الذى كتبه الدكتور سامح مهران اخترنا أن نتوقف عند نصف الرواية عند موت فهيمة، ففهيمة لها فتاة هى نبوية، اختزلت نصف الرواية فى ظهور البنت تلعب بالعروسة بنهاية العرض، وتركنا النهاية مفتوحة عند السؤال عن مصير البنت، الرواية لابد أن يدخلها المسرحى بجرأة دون استسلام لها، يجرى وراء تفاصيلها، فالبعض يصبحون أسرى لتفاصيل الرواية،  قدمنا «الطوق والأسورة» فى 55 دقيقة، التقاطنا العالم الذى أردنا تناوله بشكل مكثف جدا، دون أن تأخذنا الرواية أو تسيطر علينا، حصلنا على جائزة أفضل إخراج فى المهرجان التجريبى عام 96 كان حدثا كبيرا بعد توقفنا عند التمثيل المشرف، انتزعت الجائزة العملاقة الفارقة ما بين وجودنا فى المشهد الدولى قبل وبعد التمثيل المشرف، كنت أول مصرى يحصل على جائزة بالمهرجان.