مكتبة العاصمة الجديدة
علماء ومثقفون وأدباء شاهدون على تاريخ مصر بين جدران المستقبل
جولة وحوار وتصوير - علاء الدين ظاهر
لا أحد ينكر أن مصر عبر مسار التاريخ ومنذ ألاف السنين قد تفوقت فى مجالات عديدة وسبقت دولا كثيرة فيها، ومن هذه المجالات الكتب والمكتبات، ويكفى أننا لدينا مكتبة الإسكندرية التى ظلت عبر السنوات الطوال مصدر إشعاع ثقافى ومعرفى ليس لمصر فقط بل للعالم كله، وربما يمتد هذا الدور التاريخى إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تحتضن ضمن منشأتها مدينة الفنون والثقافة، والتى تضم كثيرا من المنشآت المعرفية المتنوعة ومنها مكتبة العاصمة، والتى يتولى مسئوليتها حاليا الدكتور زين عبدالهادى رئيس قسم المكتبات فى جامعة حلوان والرئيس السابق للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية.
تتمثل هذه المكتبة فى الوقت الحاضر رابطا بين الماضى والمستقبل، بما تضمه من كنوز وروائع ثقافية ومعرفية، وهو ما تعرفنا عليه من الدكتور زين عبدالهادى خلال جولتنا هناك، حيث تحاورنا معه فى كثير من الأمور لنتعرف على قصة إنشاء هذه المكتبة، والتى يتكون فريق العمل بها من 13 فردا ومع الإفتتاح مقرر أن يصل هذا العدد إلى 35 فردا ومع التشغيل الكامل سيصلون إلى 50 فردا، حيث تستخدم المكتبة نظام كوها وهو من أكثر نظم المكتبات إستخداما على مستوى العالم. قال الدكتور زين: وضع حجر الأساس لمدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية مع بداية عام 2018 واستغرق بناؤها 30 شهرا على مساحة 137 فدانا، ويبلغ نصب المكتبة منها 9 آلاف متر مربع، وتتكون من مبنى على شكل حرف «يو»، بجانب 1000 متر لمكتبة الطفل، لكن مكتبة العاصمة بكل إضافاتها خاصة مكتبة الطفل والأماكن والأدوار الأخرى تصل الى مساحة حوالى 30 ألف متر مربع، وهذا المقدار يبلغ تقريبا نصف مساحة مكتبة الإسكندرية وقريبة من مساحة دار الكتب المصرية، لكن دار الكتب حوالى 9 أدوار.
وتابع: مبنى مكتبة العاصمة له طابع معمارى مختلف عن المكاتب والدور الأخرى فى مصر، لكن هذا الطابع المختلف حافظ فى نفس الوقت على روح القاهرة القديمة وخاصة القاهرة الخديوية، ولدينا 70 ألف كتاب ورقى مجالات الفنون والثقافة المختلفة، فى حين لدينا حوالى أكثر من 10 ملايين كتاب رقمى، حيث إننا نعتبر مكتبة شبه رقمية، ومبنى المكتبة على نمط يسمى المعمارية الوظيفية، حيث إن أكثر ما هو موجود فى مصر الشمس والهواء، وهذا النمط من البناء يتيح لك أكبر استفادة من الهواء والضوء الطبيعى.
وتقع فى مدخل المكتبة من الخارج منحوتة عبارة عن مجموعة كتب فوق بعضها وشكلها رائع ولافتة للنظر، وقد سألنا الدكتور زين نصار عنها وقال: تمثل 10 من أهم الشخصيات فى الفنون والثقافة، مثل نجيب محفوظ وطه حسين وثروت عكاشة ومحمود سعيد وسيد درويش وأم كلثوم، ومانيتون السمنودى وهو أول مؤرخ فى التاريخ الإنسانى.
وقال إن الجزء الداخلى من المكتبة مبنى وفق العمارة الخديوية والتى بنيت عليها القاهرة، وهى تسمى عمارة الباروك» عصر النهضة» وقد ظهرت فى القرن 14 و 15، والزخارف من الداخل على نمط زخارف الروكوكو السلسة، وهذه النوعية من الزخارف تحاول الحفاظ على الشكل الجمالى للمكان، كما نجد بالداخل أيضا تمثال الكاتب المصرى الجالس القرفصاء،حيث لم يكن هناك فى مصر القديمة كاتبا واحدا فقط لمصر، بل كان هناك كاتب للملوك وكاتب للكهنة وكاتب للشعب وكاتب للمحاكم وكاتب للأمور الدينية، ويقال أن الكتابة ظهرت فى مصر 3200 ق.م، وظهرت معها المكتبات، حيث كانت هناك فى الأسر المصرية مكتبات كثيرة، وذلك بداية من الأسرة 1 حتى الأسرة 32 تقريبا.
وتابع: أى أن فكرة المكتبات قديمة جدا فى التاريخ الإنسانى المصرى أكثر من أى شعب أخر،وهذا أمر مهم جدا إذا ما علمنا أن مصر بها أكثر من 35 ألف مكتبة، وهى واحدة من أهم 10 دول فى العالم فى مجال المكتبات، وفى الجامعات المصرية هناك 18 قسما للمكتبات ويتخرج منها الكثيرون سنويا وأغلب هؤلاء الخريجين يسافرون للخارج ويعملون فى مجالهم، وكثير من خريجى المكتبات من المصريين يعملون فى أمريكا وأوروبا.
وقال أننا لدينا فى مكتبة العاصمة واحد من أهم الكتب التى تتحدث عن مصر بالفرنسية، وهو كتاب وصف مصر الذى تمت طباعته عام 1881 م فى زمن الحملة الفرنسية،وهناك منه 2000 نسخة أصلية على مستوى العالم يوجد منها فى مصر ما بين 500-600 نسخة، وهناك أسر لديها نسخ من الكتاب ضمن ميراث ثقافى من عائلاتها، والنسخة التى لدينا مكونة من 27 مجلدا تمثل كتاب وصف مصر بالكامل، وبجانب ذلك فإن الكتاب موجود لدينا منه نسخة أليكترونية أيضا، ويتضمن ما قام به وكتبه 180 عالما أتوا مع الحملة الفرنسية، وهؤلاء العلماء من المعهد الفرنسى العلمى فى باريس، وقد وصفوا مصر من أولها لأخرها، بناسها وما بها من العادات والتقاليد والطعام والشراب والحيوانات والنباتات والصحراء ونهر النيل بتفيرعاته، ولم يتركوا شيئا تقريبا فى مصر الا وصفوه وكتبوا عنه.
وعن قاعات المكتبة قال الدكتور زين نصار أنها تضم قاعتين لعرض الكتب الحديثة الواردة للمكتبة لتصبح من مقتنياتها،بالإضافة إلى 8 قاعات سميت بأسماء مجموعة من العلماء والمؤرخين والأدباء المصريين الذين أثروا الثقافة المصرية والعالمية بأعمالهم،كما أنه ملحق بالمكتبة بجانب مكتبة الطفل الصالون الثقافى وأماكن مخصصة للمعارض الفنية والناشرين.
ومن أبرز القاعات هناك قاعة ثروت عكاشة فى الدور الأرضى وهو أديب مصرى ولد عام 1931 م وتوفى عام 2013 م، وهو أحد ضباط الجيش المصرى فى الخمسينات وكان وزير الثقاقة والإرشاد القومى الأسبق، وشارك فى إنقاذ معابد فيلة أثناء بناء السد العالى فى الخمسينيات وأوائل الستينيات ونقل معابد أبى سمبل،كما أن ثروت عكاشة يعد من أهم المترجمين فى التاريخ المصرى الحديث، لأنه ترجم الإلياذة والأوديسا وأعمال كثيرة ترجمها عن اليونانية وغيرها، وقد تم نشرها خاصة أنه كان فنانا محبا للنحت والرسم جدا.
وفى الدور الأرضى أيضا قاعة الأديب الراحل طه حسين عميد الأدب العربى «1889م-1973م»، ويعد رائد التنوير الأعظم فى التاريخ المصرى، ومن أهم اعماله كتاب مهم جدا ربما لو كنا تتبعنا ما جاء فيه لتفوقنا على أمريكا نفسها، وهذا الكتاب صدر عام 1949م وهو «مستقبل الثقافة فى مصر» وكان تحديدا عن التعليم وتغييره،كما أنه ترجم كثيرا من الأعمال والكتب، وهو مؤلف الأيام ودعاء الكروان التى تعد من الأعمال الفنية الخالدة المأخوذة عن رواياته.
وهناك قاعة يونان لبيب رزق أحد أهم المؤرخين المصريين فى العصر الحديث «1933م-2008م»، وقاعة نجيب محفوظ الأديب المصرى الحاصة على جائزة نوبل فى الأدب والفنون «1911م-2006م»، وقاعة هدى شعرواى وهى من أبرز الناشطات الأوائل اللاتى شكلن تاريخ الحركة النسوية فى مصر «1879 م- 1947م»، وقاعة حافظ براهيم شاعر النيل «1873م-1932م»، وقاعة الدكتور أحمد زويل العالم المصرى فى مجال الكيمياء «1946م 2016م» والحاصل على جائزة نوبل العالمية فى مجال الفيزياء، وقاعة أحمد شوقى أمير الشعراء «1868م-1932م»، وقاعة محمود عباس العقاد الأديب والمفكر والشاعر والصحفى المصرى «1889م-1964م»، هناك الممر التاريخى وجارى العمل عليه وسيكون بالكامل عن تطور وتاريخ الكتابة والكتب فى مصر من 5000 سنة حتى الآن.
وعن الشخصيات الموجودة على مجسم الكتب أمام المكتبة قال: نحن فى مكان إسمه مدينة الفنون والثقافة، لذلك إخترنا أسماءا مثل سيد درويش ولا يمكن تجاهله وله أعمال عديدة ومنها الوطنية مثل لحن النشيد الوطنى وهناك أوبريت العشرة الطيبة، ولا يمكن أن أتجاهل العالم الدكتور أحمد زويل الذى حصل على نوبل، كذلك لا يمكن تجاهل المرأة واخترنا مثلا هدى شعراوى وصفية زغلول، حيث كانت المعايير هى اختيار أدباء ومثقفين وفنانين وعلماء من الجنسين معبرين عن تاريخ وثقافة وفن مصر، وسنعرض أيضاً لوحات فن تشكيلى وهو ما كان موضوع بروتوكول التعاون بيننا ومكتبة الإسكندرية، وذلك للحصول على لوحات من مقتنيات المكتبة وسنعرضها فى مكتبة العاصمة الإدارية الجديدة، فنحن لسنا مكاناً لعرض الكتب فقط، بل نقدم المعرفة والثقافة بكل مصادرها، وهو ما يفسر أيضا الحرص على أن تتضمن المكتبة قاعات للسماع والمشاهدة.