قرارات الدولة تخرج من مكتب المرشد والحرس الثورى
خبراء يطرحون سيناريوهات المرحلة الانتقالية فى إيران
مى فهيم ونشوى يوسف وإسلام عبد الكريم ووسام النحراوى ونور الدين أبوشقرة وأمانى عزام
أكد عدد من الخبراء أن إيران باتت اليوم على صفيح ساخن، خاصة فى ظل الانقسام بين مكتب المرشد والحرس الثورى والبرلمان، مشددين على أن الحادث الأخير لن يؤثر بأى شكل على الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن السياسة الإيرانية مرسومة مسبقًا من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية وقيادات الحرس الثورى.
يقول شريف عبدالحميد، رئيس مركز «الخليج» للدراسات الإيرانية، إن الدستور الإيرانى ينظم إدارة شئون البلاد حال غياب الرئيس لسبب من الأسباب كالسفر للخارج أو المرض أو العجز بسبب المرض أو الوفاة، مشيرًا إلى أنه فى هذه الحالات يتولى نائب الرئيس إدارة شئون الدولة، لكن الأمر مختلف فى حالة العجز أو الوفاة إذ يتولى المنصب لمدة 50 يومًا فقط لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو المطروح الآن حتى لا يحدث فراغ دستورى.
وأوضح «عبدالحميد» أن المادة 131 من الدستور الإيرانى تنص على أنه حال فراغ منصب رئيس الدولة بسبب الوفاة يتولى النائب الأول للرئيس بعد موافقة المرشد الأعلى، صلاحيات ومهام الرئيس، لافتًا إلى أن الوضع الداخلى أشاع احتمالات ربطت بين الحادث والصراع المحتدم حول خلافة المرشد الأعلى والتى تدعم أسهم مجتبى خامنئى الذى يحظى بتأييد الأجهزة الأمنية و«الحرس الثورى» لخلافة والده، وأدى دعم هذه الأجهزة لمجتبى إلى بروز خلافات بين أنصاره وأتباع على رئيسى من عناصر التيار الأصولى.
صراع المحافظين والإصلاحيين
وأكد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية، أن الصراع محتدم بين أنصار الحكومة وأنصار مجتبى فى البرلمان إذ يدعم محمد قاليباف رئيس مجلس الشورى مجتبى خامنئى، أما أغلب مكونات التيار الإصلاحى فترشح حسن الخمينى حفيد زعيم الثورة موسوى الخمينى لخوض الانتخابات الرئاسية، كما يتردد أن معظم أعضاء «خبراء القيادة» الحاليين يدعمون مقترح تشكيل لجنة قيادة مكونة من 5 أعضاء يختارون المرشد من بينهم بدلًا من أن يتم تنصيب شخص واحد خلفًا للمرشد، نظرًا لغياب مرشح يمكنه سد الفراغ وجمع كل الأطياف السياسية والأمنية والعسكرية.
وتابع «عبدالحميد»: «إذا نظرنا إلى تركيبة البرلمان الذى سيتولى مهامه فى 27 مايو الجارى، جاءت كما كان متوقعًا فى ظل إبعاد مجلس صيانة الدستور غالبية المرشحين الإصلاحيين والمستقلين، فإن النظام المسيطر بزمام السلطة فى إيران يبحث الآن عن شخصية تحافظ على وحدة المحافظين المتشددين وضمان استمرار الولاء للمرشد الأعلى، لافتًا إلى أن أبرز المرشحين لخوض الانتخابات هو رئيس مجلس الشورى الإيرانى الذى حاول مرات عدة الوصول إلى كرسى الرئاسة فى إيران، إذ كان قاليباف قائدًا فى «الحرس الثورى» الإيرانى خلال الحرب «الإيرانية - العراقية»، كما أن هناك شخصية أخرى هو غلام حسين محسنى إيجه، وهو عالم دين وسياسى ورئيس السلطة القضائية الإيرانية، وتولى وزارة الاستخبارات والأمن القومى فى الفترة من 2005 حتى 2009.
فيما يقول هانى سليمان، مدير المركز «العربى» للبحوث والدراسات، إن حادث سقوط مروحية الرئيس الإيرانى، لن يكون مرحلة انتقالية فى تاريخ الجمهورية الإيرانية والمنطقة، كما لا يمكن التقليل من غياب الرئيس عن المشهد لأنه ستكون له انعكاسات على الداخل الإيرانى أكثر من العلاقات الخارجية الإيرانية، موضحًا فى تصريح خاص لـ«روزاليوسف» أن أحد الارتدادات على الداخل الإيرانى متعلق بطبيعة عمل النظام السياسى فى الداخل، رغم أن النظام الإيرانى مختلف ويتصدره المرشد الأعلى ثم الحرس الثورى الإيرانى لوضع السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، بالاشتراك مع بعض المؤسسات الأخرى مثل وزارة الخارجية، إلا أن منصب الرئيس مهم جدًا وتزداد أهميته من كون إبراهيم رئيسى كان يتم تجهيزه ليكون خليفة للمرشد الحالى على خامنئى، خاصة فى ظل وجود تقارير عدة تشير إلى سوء حالة المرشد الصحية.
المرشد الأعلى
يقول د.محمد بناية الخبير فى الشئون الإيرانية لـ«روزاليوسف»، إن الحادث ليس مدبرًا، وحتى إن قيل أن هناك شبهة جنائية فإن الأمر مفوض لجهات التحقيق الداخلية وذلك بعد استنفار كل جهات الدولة بدءًا من الحرس الثورى للبحث عن طائرة الرئيس المختفية، مؤكدًا أن الحادث لن يؤثر بشكل أو بآخر على الشرق الأوسط لأن هناك من اغتيل مسبقًا وهو قاسم سليمانى الذى لم تكن لموته أى ردة فعل قوية تذكر، فلا إسرائيل ولا أمريكا متورطة فى الموضوع.
وأوضح أن السياسة الداخلية والخارجية لن تتغير فهى مرسومة من قبل مكتب المرشد الأعلى الإيرانى، كما أن الفريق لن يتغير فإذا مات رئيسى تولى نائبه مخبر مباشرة، وحتى بعد الانتخابات فلن يكون هناك جديد مثلما حدث فى الانتخابات السابقة.
بدوره قال أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية بجامعة الأزهر د.فكرى إبراهيم: تعددت سيناريوهات سقوط الطائرة الرئاسية سواء بسبب عطل فنى أو سوء حالة الطقس، أو عمل تخريبى، أو من الممكن أن يكون عملًا مدبرًا من الداخل.
وقال «فكرى» فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف»: «جميع هذه السيناريوهات ستؤثر فى الشارع الإيرانى بدرجة كبيرة، إذ بدأ الشارع الإيرانى فى التساؤل حول كيفية إسقاط هذه الطائرة، وبالتأكيد الحكومة الإيرانية ستكون مدانة بنسبة كبيرة، خاصة أن جميع المبررات المطروحة فى الداخل الإيرانى هى غير مقنعة للعامة لأنه كانت هناك 3 طائرات كيف يؤثر الطقس على طائرة واحدة دون الأخرى، وهو ما يجعل الشك والغضب مسيطرين على الداخل الإيرانى».
وتابع أستاذ الدراسات الايرانية: لو تأكد وجود علاقة لإسرائيل والولايات المتحدة سيضع إيران تحت ضغط كبير لأنه سيظهر إيران أنها مستباحة بهذا الشكل، وهو ما سيجعل الداخل الإيرانى فى حالة إرباك لفترة طويلة، خاصة أن المظاهرات والاحتجاجات لم تنقطع طوال الفترة الأخيرة، لأسباب كثيرة منها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبالتالى قد يجد البعض هذه الفرصة الوقت المناسب لإشعال الأزمات وتنفيذ مطالب الفترة الماضية.
أما فيما يتعلق بتأثير مقتل الرئيس الإيرانى بالأوضاع الخارجية والإقليمية قال د.فكرى إبراهيم، إن أذرع إيران الموجودة فى الدول العربية ركيزة أساسية خططت لها الحكومات الإيرانية على أن تكون أداة تصدير الثورة للخارج، فهى تعتمد عليها فى الحروب بالوكالة، وبالتالى فهى لا تحارب بنفسها بل من خلال هذه الأذرع وفى اعتقادى أنها ستظل باقية ولن تتأثر بمقتل «رئيسى».
وقفزت أسماء 8 مرشحين محتملين لانتخابات الرئاسة الايرانية إلى صدارة المشهد بعد وفاة الرئيس رئيسى، إذ أعلنت هيئة الانتخابات الإيرانية تحديد يوم 28 يونيو موعدا لإجراء الانتخابات.
وفى سياق ذى صلة قللت الصحف العالمية من تأثير غياب الرئيس الإيرانى داخليًا وخارجيًا، إذ قالت صحيفة «إكونوميست» البريطانية، إن وفاته قد تعطى للشعب الإيرانى قبلة الحياة، بينما رأت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن طهران ستلجأ لتعيين رئيس جديد لإظهار سيطرتها على مفاصل الدولة أمام العالم، حيث أبرزت تقارير إيرانية عدة شخصيات مرشحة لتولى المنصب الحساس فى الدولة الشيعية.
فيما ذكرت تقارير أخرى أبرز التحديات التى تواجه السياسة الخارجية والداخلية، إذ تساءلت صحيفة «ديلى إكسبريس» البريطانية هل يمكن لوفاة الرئيس الإيرانى أن تمنح إيران شريان الحياة؟ ورأت الصحيفة أن وفاة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى قد تمنح إيران شريان الحياة من جديد لنظام يفتقر إلى الشعبية فى الداخل والخارج.
وأوضحت، أنه رغم أن النظام الإيرانى سيروج إلى أنه سيبدأ مرحلة جديدة، لكن فى الواقع لم يكن «رئيسى» سوى مجرد سكرتير جيد، ولن يختلف خليفته عنه كثيرًا وذلك لأن كل القرارات الحقيقية يتولاها المرشد الأعلى خامنئى أو الحرس الثورى الإيرانى.
وطرحت الصحيفة تساؤلات حول حادث مقتل الرئيس الإيرانى رئيسى هل هو اغتيال مدبر أم لا؟ ورأت الصحيفة أن فى كل الأحوال سواء اغتيل أم لا، فإن وفاته تأتى بمثابة فرصة للمرشد الأعلى لينأى بنفسه عن تزايد تراجع شعبيته، فلا تزال هناك حالة من التوتر فى الداخل الإيرانى بسبب تعامل الدولة مع الاحتجاجات الجماهيرية التى أعقبت وفاة الفتاة مهسا أمينى فى الحجز.
ووصف موقع «سى إن بى سى» الأمريكى وفاة الرئيس الإيرانى بأنها جاءت فى وقت صعب لإيران التى تعانى من تدهور اقتصادى، وسخط شعبى، والكثير من التوترات الجيوسياسية، كما أنها تمنح الحرس الثورى الفرصة لفرض المزيد من السيطرة على الاتجاه السياسى للبلاد.
ضغوط داخلية وخارجية
أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية إلى أن الوفاة المفاجئة للرئيس إبراهيم رئيسى، ستضطر النظام الإيرانى بشكل غير متوقع لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لتعيين خليفة له، موضحة أن النظام الإيرانى لن يترك أمرًا للصدفة بل سيختار إجراء انتخابات دون أن يكون للمرشح الذى يختاره فيها منافس جديد، دون الاكتراث من تبعات ذلك بتضاؤل نسبة مشاركة الناخبين فى العملية الانتخابية، فضلًا عن شعور الناخبين بخيبة أمل.
ومع وجود الكثير من الضغوط الخارجية والداخلية على النظام، يعتقد خامنئى وحلفاؤه أن هذه لحظة حاسمة بالنسبة له من أجل استمراره وإرساء الأمن.
ووقفت «روزاليوسف» على أهم مستجدات الأحداث والسيناريوهات المستقبلية، ومآلات ما بعد الحادث للتعرف على كيفية سير العملية السياسية لحين انتخاب رئيس جديد لإيران، فتوجهت بسؤال الخبراء والمتخصصين فى الشأن الإيرانى،