السبت 12 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دبلوماسية الحضارة.. ثوابت الضمير.. ورسوخ القيم

رسائل زيارة ماكرون لمصر

دبلوماسية الحضارة.. ثوابت الضمير.. ورسوخ القيم

بين عبق التاريخ، وقوة الحاضر، وثوابت الضمير، ورسوخ القيم، ونبض المصريين، اصطحب الرئيس عبدالفتاح السيسى، ضيفه الفرنسى إيمانويل ماكرون فى جولات مكثفة استمرّت ثلاثة أيام، فى زيارة تاريخيّة، فى توقيتها، ورسائلها، ودلالاتها، وثمارها، وما بعدها.



 

تبدأ الرسائل البليغة، مع دخول الطائرة الرئاسية الفرنسية الأجواء المصرية، لتستقبلها طائرات حربية مصرية، من طراز رافال فرنسية المنشأ، فى رسالة على قوة التعاون المصري، والمساهمة الفرنسية فى الاستراتيجية الوطنية لتعزيز القدرة التسليحية، بتنويع مصادر السلاح، لكسر هيمنة احتكار تصدير السلاح من دولة واحدة.

 

تلك الرسالة التقطها ضيف مصر الرئيس ماكرون، مؤكدًا فى تدوينة له على حسابه الرسمي بمنصة «x»: «وصلنا القاهرة رفقة رافال مصرية، رمز قوى لتعاوننا الاستراتيجى». 

 

لتأتى الرسائل الأكثر قوة وعبقرية، «دبلوماسية الحضارة»، فمصر ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ الإنسانى، مهد حضارة البشرية، ومنها أشرقت شمس المعارف، وبها بزغ فجر الضمير.

 

فكانت جولة ضيف مصر فى المتحف الكبير، متحف الحضارة المصرية القديمة، الذي تستعد مصر لافتتاحه رسميًا فى حفل عالمي، يضع المقاصد السياحية المصرية فى المكانة التي تليق بها.

 

لكنها أبدًا لم تكن  رسالة لمجرد التفاخر بالماضى العريق، والإرث الحضارى العتيق، بل امتداد جينات تلك العبقرية المصرية، من الأجداد إلى الأحفاد، تلك الدماء النقية التي تجرى فى عروق المصريين، صناع الماضى والحاضر، ملاك الضمير، حراس القيم ووحدة المعايير.

 

كانت الرسالة الإبداعية، فى جولة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وضيفه الكريم إيمانويل ماكرون، فى خان الخليلى بحى الجمالية بالقاهرة القديمة، فى محيط مسجد سيدنا الحسين.

 

بلاغة المشهد، خان الخليلى، عبق الماضى، وقوة الحاضر، ونبض الإنسان المصري الأصيل، منطقة بليغة الرسائل، تحمل عبق التاريخ والتراث المصري، وجمال روح المصريين الذين احتشدوا لتحية ضيفهم.

 

تعكس الأصالة والارتباط بالجذور، ففيها نشأ الرئيس عبدالفتاح السيسي «منطقته»، وفيها تعايش وتنوع الجاليات فى مصر قديمًا من الأرمن واليونان وغيرهما.

 

 

 

تجول الرئيس عبدالفتاح السيسي وضيفه فى شوارع خان الخليلى المزدحمة بالمواطنين والمحال التجارية، تحتضنهما روح المصريين المرحة المحبة للسلام والتواصل الإنسانى بين الحضارات.

 

الصورة أبلغ من آلاف الكلمات، رئيسا مصر وفرنسا يتجولان وسط حفاوة جماهيرية، يحييهما المواطنون، يداعبان الأطفال، يجلسان على مقهى نجيب محفوظ، يحتسيان الشاى ويتناولان العشاء فى مطعم بالخان.

 

رسالة بليغة «مصر الأمان والسلام»، ها هى مصر آمنة، بعد أثمان باهظة دفعتها فى حربها على الإرهاب البغيض، ومموليه وداعميه، رأيت فى تلك المشاهد أرواح شهداء مصر ترفرف فوق رؤوس الأشهاد، فرحة بنصر الله، فلم تذهب دماؤهم هباءً، صدقوا الله فوفقهم وسخرهم لتحقيق مراده بحفظ مصر.

 

«مقهى نجيب محفوظ»، ليس صدفة، بل عبقرية قدرة الدولة التي تنامت فى كافة المجالات، سياسية واقتصادية وعمرانية ودفاعية، ودبلوماسية وتنظيمية، فالمقهى يحمل اسم أديب مصر الحائز على جائزة نوبل فى الآداب عن أعماله التي أرخت للتاريخ الاجتماعى للحارة المصرية، هو نموذج لإبداع الإنسان المصري، الوارث لحضارة أجداده القدماء، الرسالة اتصال الإبداع.

 

الرئيس السيسي قائد محبوب يسير وسط شعبه، فى منطقة سياحية تحمل عبق التاريخ والتراث المصري، وإبداع المصري القديم والمعاصر، قوة الحضارة المصرية ودبلوماسية احترافية ألقت بالخطب جانبًا، واستبدلتها بنبض الشارع، أتاحت لضيفها الكريم الفرصة للاستماع إليه.

 

 

 

ذلك النبض الشعبى، امتد إلى قاعة القبة بجامعة القاهرة، القلعة العلمية الأعرق والأقدم فى القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، فيها عُقد المؤتمر الفرنسى المصري للتعاون العلمى والجامعى، هناك رأيت انبهار ماكرون الذي رفع عينيه فى جولة سريعة لتفحص تلك القبة، واستمعت بإمعان لخطابه الحماسى، عقب إنصاته بإعجاب لقصص ثلاثة نماذج من شباب مصر المُبدع الدارسين فى الجامعة الفرنسية فى مصر.

 

هناء دارسة القانون، وصالح محيى طالب الهندسة، صاحب الابتكارات العلمية التكنولوجية التي تلبى احتياجات إنسانية، كطرف صناعي متقدم وبرنامج إدارة بنوك الدم، وهو لا يزال فى الفرقة الجامعية الثانية، ويسرا أحمد التي تعد دراستها للدكتوراه حول التمويل التشاركى ونماذج التعاون الاستثمارى المصري الفرنسى.

 

صالح طلب من ماكرون نصيحة، فكانت خطبه حماسية، مليئة بالرسائل والدلالات، ففى مستهل كلمته، وسط مئات الشباب المصري، تحدث ماكرون عن أن مصر دولة شابة، أعظم ثرواتها رأس المال البشري.

 

وهى حقيقة تدركها الجمهورية الجديدة، التي وضعت استراتيجية قومية لبناء الإنسان المصري، وتدرك قيمة الجامعة، والعلم، وإعلام مصر فى مختلف المجالات.

 

تحدث ماكرون عن تعاون مصري فرنسى علمى تاريخى، يتم تعظيمه بـ٤٠ اتفاقية بين الجامعات المصرية والفرنسية، تسمح بدراسة ٧٠ برنامجًا تعليميًا يعد الخريجين لسوق العمل بتخصصات حديثة، لمنح ٥٠ درجة علمية مزدوجة.. تحدّث عن مقر جديد للجامعة الفرنسية على أحدث طراز معمارى يتم افتتاحه بعد عامين، تضاعف خدمات الجامعة الفرنسية من 3 آلاف طالب سنويًا إلى ٧ آلاف.

 

تحدّث عن رغبة فى الشراكة مع مصر فى تطوير تعليمها، شهادة البكالوريا وتدريس اللغة الفرنسية، وبرامج رفع كفاءة المدرسين، تحدث عن ثقة فرنسا فى مصر وقدراتها ورغبة فى مواصلة الشراكة التنموية مع القاهرة.

 

الإجابة عن سؤال صالح

 

قال صالح الشاب المصري لماكرون: «القوة تأتى بالعلم، والقوة هى أن يكون لديك الفرصة للاختيار بين الخير والشر، وأن تختار الخير، وأنا اخترت السلام وخدمة الناس، وأوجه ابتكاراتى لخدمة الإنسانية».

 

ثم استطرد صالح: لدى سؤال لفخامة الرئيس ماكرون لا بل طلب: أريد من حضرتك نصيحة لى وللشباب مثلى وكيف ترى مستقبلنا؟

 

أجاب الرئيس ماكرون بحماسة شديدة، ومهارات مفكر وخطيب مفوه: مستقبلكم جيل الشباب، هو مستقبل القارة ومستقبلنا جميعًا، لا توجد نصيحة جادة يمكن أن أقدمها لكم بشأن صياغة مستقبلكم، بل ما ينبغى علينا هو إتاحة الفرص لكم لتختاروا مستقبلكم بأنفسكم.

 

أن نحدد لكم الطريق، هذا لن يكون، اختاروا مساراتكم بأنفسكم باستقلالية تامة.

 

ما أنصح به الشباب بذل الجهد فى الدراسة والتعلم، لبلوغ مرحلة الابتكار والإبداع، فهذا هو طريق التقدم، يجب أن تكونوا فى طليعة الفكر الإنساني، إبداع وابتكار الجديد الملبى لاحتياجات المجتمع، لا أن تكون مستهلكًا لمنتجات أبدعها الآخر.

 

لا نستقبل الأفكار ونستهلك، دون إبداع وإنتاج خاص بنا، هذه هى الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها جيلنا، إلى جانب اعتقادنا أن النجاح فى السفر والانفصال عن الجذور ومجتمعاتنا.

 

يضيف ماكرون: سافر.. تعلم لتنجح، لكن تذكر دائمًا أن النجاح الوحيد هو ذلك النجاح الذي يعود بالنفع على وطنك وجيرانك ومجتمعك الذي ولدت فيه.

 

ويواصل: الجامعات ومراكزها البحثية، وحرية البحث العلمى هى طريق التقدم وبلوغ الحقيقة، لا تعيشوا فى عالم مشوه على مواقع السوشيال ميديا بل اذهبوا للجامعات حيث العلم والبحث فهى طريق التقدم.

 

أخطر ما يخيف ماكرون 

 

يقول ماكرون لشباب جامعة القاهرة والجامعة الفرنسية: أخطر ما يخيفنى هو الدخول فى عالم تتحطم فيه القيم، اخرجوا من مجتمع وسائل التواصل الاجتماعى الرقمى إلى مجتمع الجامعات.

 

احذروا أن تكونوا حبيسى الأيديولوجيا، أعملوا عقولكم النقدية، لبلوغ الحقيقة، والعلم هو السبيل لذلك.. ابتكروا.. اخترعوا.. تعلموا.. المعرفة هى الفرصة الوحيدة لكى تولد من جديد.

 

كما تجول الرئيس السيسي وضيفه وسط الجماهير فى خان الخليلي، خرج ماكرون متجولًا بين مدرجات قاعة القبة بجامعة القاهرة، يلتقط مع الشباب صورًا تذكارية، وسط سعادة بالغة بنبض الجماهير المصرية.

 

التقط ماكرون الرسالة فدون على حسابه من طائرته الرئاسية قبل إقلاعها من مطار القاهرة: أغادر مصر بعد ثلاثة أيام مؤثرة رأيت فيها نبض القلوب. 

 

«نبض القلوب» هذا لم يكن فى خان الخليلى وجامعة القاهرة والمتحف المصري ومترو الخط الثالث والمركز الثقافى الفرنسي، ومجلس التعاون المصري الفرنسى فقط، بل هناك على حدود مصر الشرقية فى العريش ورفح المصرية.

 

هناك فى سيناء اصطحب الرئيس السيسي ضيفه ماكرون، لزيارة ميدانية، حيث وقف آلاف المصريين مرحبين، متضامنين مع الشعب الفلسطيني، داعين المجتمع الدولى إلى يقظة الضمير، واتخاذ موقف شجاع يوقف المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطينى، وقف إطلاق النار، والتعمير بلا تهجير.

 

وفى الوقت الذي يلتف فيه الشعب المصري خلف القيادة، كان الجيش الأبيض يؤدى دوره فى مستشفى العريش العام يقدم الخدمة الطبية لمن تمكن من الجرحى من الوصول إلى الجانب المصري.

 

بود تحدث الرئيس السيسي مع الأطفال المصابين، وأسرهم، واستمع إليهم ماكرون وداعب أطفالهم، استمع لرسائلهم البليغة مطالبين بوقف إطلاق النار وإنقاذ عائلاتهم وشعبهم من المجازر وإمدادهم بمستلزمات الحياة، بل يطلبون العودة لغزة بعد تعافيهم للبدء فى تعميرها.

 

وصلت الرسالة لماكرون وكل من شاهده حول العالم، استمعوا لصوت أطفال فلسطين وأهلها، لمس معاناتهم وآلامهم، وإصرارهم على البقاء والتعمير، تجول فى مركز الهلال الأحمر المصري شاهد المساعدات الإنسانية، علاجية وغذائية، تنتظر دخول القطاع لإغاثة أهله الذين يتعرضون لعدوان الاحتلال ومخطط التجويع والإبادة.

 

كنت هناك فى جامعة القاهرة، وقبلها بساعات فى المؤتمر الصحفى المُشترك للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وضيفه الرئيس ماكرون بقصر الاتحادية، حيث كانت رسائلهما عقب القمة الثنائية.

 

توقيع إعلان ترفيع العلاقات المصرية الفرنسية لمستوى التعاون الاستراتيجي، وهو ما يعكس التعاون الشامل فى مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية، والثقافية، للبناء على العلاقات التاريخية المُمتدة.

 

وفى ذلك المؤتمر أشار الرئيس السيسي إلى عمق العلاقات، والتوافق على التعاون المصري الفرنسى فى الدعم المتبادل لترشيحات البلدين فى المؤسسات الدولية، والتعاون فى المجالات العلمية، التعليمية، والاقتصادية والدعم الفرنسى لمصر فى البرلمان الأوروبى ودوره فى إقرار شريحة الدعم المقدرة بـ ٤ مليارات يورو.

 

التوافق المصري الفرنسى الممتد منذ بدء العدوان على الشعب الفلسطيني، بضرورة وقف إطلاق النار، وأن الحل الوحيد فى السلام، ورفض التهجير، وكذا الموقف المشترك بشأن ملفات المنطقة ، وضرورة إيجاد حل شامل يحفظ وحدة وسلامة الأراضى السورية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لأراضيها، ودعم الحكومة اللبنانية. 

 

التوافق على دعم مصر فى الحفاظ على حقوقها المائية فى نهر النيل، شريان حياة المصريين، والحرص المشترك على استعادة حركة المرور الطبيعية بقناة السويس، بعد أن تسببت الحرب فى غزة وتهديدات الملاحة فى البحر الأحمر فى فقدان مصر 7 مليارات دولار من عوائد القناة 2024.

 

انطلاقة جديدة للتعاون الاستراتيجى بين البلدين، بهذه العبارة اختتم الرئيس السيسي بيانه حول مباحثات القمة.

 

«دبلوماسية الحضارة المصرية»، وثوابت الضمير المصري، فمصر موقفها ثابت نابع من قيم أخلاقية وحضارة وتاريخ وضمير لا يمكن أن يتخلى عن الحق الفلسطينى والعربى.

 

وهنا كان رد الرئيس الفرنسى ماكرون بأن فرنسا حريصة على استقرار مصر فى ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، والاقتصاد المصري، بدعم طريق التنمية والتعمير الذي اختارته مصر بقيادة الرئيس السيسي، لتحقيق التنمية والرخاء وفق استراتيجية ٢٠٣٠ عبر تعاون مالى واستثمارى. فالتعاون الاستثمارى الفرنسى فى مصر بلغ ٤ مليارات يورو.

 

 

 

التوافق المصري الفرنسى على أن إحياء السلام ضرورة ولن يكون إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967.

 

«مصر أول من وثقت فى الرافال الفرنسية، وتبعتها دول كثيرة» يقول ماكرون، وهى شهادة للقيادة المصرية فى رؤيتها المستقبلية، ليعد ماكرون بضخ استثمارات فرنسية فى مصر قيمتها 260 مليون يورو تم توقيعها مع وكالة التنمية الفرنسية.

 

أثمرت الزيارة شراكات اقتصادية، وتعزيز وحدة الموقف فى القضايا السياسية، فقد أعلن ماكرون تأييد فرنسا لقرارات جامعة الدول العربية فى قمة فلسطين بالقاهرة، مع إشادة بالموقف المصري، وتوافق حول ضرورة الحل الدبلوماسى للأزمة النووية الإيرانية.

 

لقد أبدعت مصر فى التخطيط للزيارة، ولقد أبدع ماكرون فى وصف مصر سياسيًا: حين قال: «أحيى ثبات المواقف المصرية الدولية، وتصويتكم بالأمم المتحدة الذي يتسم بالوضوح والحزم».

 

وهنا بات واضحًا دبلوماسية الحضارة المصرية، ورسوخ الضمير الذي يجعل موقف مصر تاريخًا مناصرا للحق، وثبات المواقف بكل وضوح وحزم.

 

عبر عن ذلك ماكرون قائلًا: «يجمع مصر وفرنسا، تبنيهما صوت السلام، ووضوح الموقف وانتفاء المعايير المزدوجة».

 

لنا أن نفخر بوطننا العزيز ومواقف قيادته الشريفة المعبرة عن شعب مصر العظيم.

 

فكانت رسالة ماكرون الأخيرة، بعد زيارة ناجحة إبداعية «شكرًا للرئيس عبدالفتاح السيسي وشعب مصر العظيم.. أغادر مصر بعد ثلاثة أيام مؤثرة.. رأيت فيها نبض القلوب. فى ترحيبكم الكريم. فى قوة تعاوننا.. فى الدعم الذي نقدمه معًا لأهالى غزة. فى العريش، حيث يقاوم الأمل الألم. شكرًا لكم. تحيا الصداقة بين شعبينا!».

 

سيظل الأمل والعمل يقاوم الألم 

 

تحيا مصر وشعبها العظيم