
أ.د. رضا عوض
الحقائق التاريخية لأرض فلسطين (9)
فى عام 1258م شهدت مدينة القدس سقوط الخلافة العباسية بعد الهجوم الدموى المغولى بقيادة (هولاكو) الرهيب، فى يوم الأربعاء المُوافق 14 فبراير 1258م، حيث اجتاحت قوات الجيش المغولى شوارع بغداد، وقتلوا كُلَّ نفسٍ صادفتهم ورجَّح الذهبى فى كتابه «تاريخ الإسلام» أن القتلى كانوا 800,000 نسمة ونهبوا كنوز الخلافة، ويذكر مُؤرِّخ المغول (رشيد الدين فضل الله الهمذاني) أنَّ ما جمعهُ بنو العبَّاس خلال خمسة قُرونٍ من أموال أصبح غنيمةٍ للمغول، ثم قام هولاكو بإعدام الخليفة (المستعصم) آخر خلفاء الدولة العباسية، كما أقدم المغول على إحراق عدد من معالم المدينة وأماكنها المُقدَّسة، ودمَّروا بيت الحكمة مركز ورمز الحضارة الإسلامية وحرقوا مكتباتها الشهيرة والتى كانت تضم كنوز الحضارة الإسلامية، وألقوا بالكُتب فى نهر دجلة حتى اسودَّ لونه من المداد. بعد سقوط الدولة العباسية قام المغول بالاستيلاء على حلب وأغلب أراضى الشام، بما فيها فلسطين، وجهزوا العدة للهجوم منها على مصر للاستيلاء عليها بهدف تدمير الدولة والحضارة الإسلامية. وبعث (هولاكو) تهديدًا إلى الأمير (سيف الدين قطز) حاكم مصر يطالبه بالاستسلام أو أن يلاقى نفس المصير.
بدأ الأمير قطز التحضير لمواجهة التتار، فقام بترتيب البيت الداخلى لمصر، ثم أصدر عفوًا عاماً عن المماليك الهاربين من مصر بمن فيهم (الظاهر بيبرس)، ثم طلب من الإمام العز بن عبد السلام إصدار فتوى تُشرع له جمع الضرائب من سكان مصر لتجهيز الجيش، وكان له ما أراد.
انطلق الأمير قطز بجيش مصر من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى سهل عين جالوت الذى يقع بين مدينة بيسان شمالاً ومدينة نابلس جنوباً فى فلسطين، واستطاع القائد سيف الدين قطز والظاهر بيبرس هزيمة المغول فى معركة (عين جالوت) قرب مدينة الناصرة فى عام 1259 فكانت واحدة من أهم وأشهر المعارك الإسلامية التى قام بها الجيش المصرى والتى حافظ فيها على كيان الدولة الإسلامية، ثم واصل خليل بن قلاوون (الأشرف قلاوون) تحرير بقية المدن الفلسطينية التى ظلت تحت الاحتلال الفرنجى الصليبى حتى أخرجوا من البلاد تماماً عام 1291م. واستمر حكم المماليك لفلسطين أكثر من مائتى سنة، ومن آثار المماليك التى لم تزل قائمة فى فلسطين حتى الآن بعض الأبنية والمدارس وبناء جسر بجوار مدينة اللد، وقاموا أيضًا بترميم قبة الصخرة والحرم الإبراهيمى.