أ.د. رضا عوض
حائط الصواريخ المنيع ونصر أكتوبر العظيم
حائط الصواريخ المنيع، كان نقطة تحول فى تاريخ بناء القوات المصرية بعد نكسة عام 1967، فلم تشعر مصر بالاطمئنان لقدرتها على اتخاذ قرار الحرب الشاملة إلا بعد أن نجحت فى إقامة حائط الصواريخ المضاد للطائرات على طول خط المواجهة وفى العمق المصرى،وكان له دور فعال فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر والذى قطع الذراع الطولى لإسرائيل، وحمى سماء مصر من الطائرات الإسرائيلية المعادية وإسقاطها، فما قصته.
بدأت معركة تحرير سيناء واستعادة الكرامة مباشرة بعد انتهاء حرب الأيام الستة، ولكن كانت العقبة الكبيرة فى هذه الحرب هى تفوق سلاح الطيران الإسرائيلى خصوصا بعد أن قامت أمريكا، بإمداد إسرائيل عام 1968 بطائرات إف 4 (فانتوم)، وهو الأمر الذى ضاعف من مسافة وقوة نيران الذراع الإسرائيلية. أدى تفوق الطيران الإسرائيلى إلى تفكير مصر فى إنشاء سلاح للدفاع الجوى كقوة مستقلة، وفى أول فبراير1968 صدر قرار جمهورى بإنشاء قوات الدفاع الجوى واعتبارها أحد الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وقبل هذا الوقت كانت تبعية هذا السلاح للقوات الجوية.!
استمرت القوات الجوية الإسرائيلية بتوجيه غارات متلاحقة على القوات المصرية فى جبهة القناة، وبدا للقيادة السياسية استحالة إيقاف هذه الغارات واقتحام القناة فى حرب شاملة دون غطاء جوى بصواريخ الدفاع الجوى، فسارعت بالتصديق على الخطة التى تقدمت بها قيادة قوات الدفاع الجوى وتهدف إلى بناء دفاع جوى جديد فى الجبهة، وترتكز تلك الخطة على بناء سلسلة من قواعد صواريخ سام الروسية المضادة للطائرات، هدفه بسط سيطرته إلى أقصى مسافة شرق القناة ويقدر على الصمود أمام طيران العدو. بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة فى دعم قيادة الدفاع الجوى بأنواع حديثة من الأسلحة والمعدات الإلكترونية والصواريخ المضادة للطائرات التى تطير على ارتفاعات منخفضة، وتم تنفيذ هذه الأعمال بنجاح تام وبدقة عالية تحت قيادة أول قائد لقوات الدفاع الجوى السيد المشير محمد على فهمى.
استغرق بناء حائط الصواريخ 40 يومًا، شاركت فيه شركات البناء الكبرى.. كلها بمهندسيها وفنييها وعمالها مع مقاتلى الدفاع الجوى وسلاح المهندسين يعملون طوال الليل ويتوقفون طوال النهار، لأن الغارات لا تتوقف لحظة! على مواقع البناء وخلالها وقع شهداء مدنيون وعسكريون.. ولقد سَطر رِجال الدفاع الجوى فى الثلاثين من يونيه عام 1970 بأحرف من نور، صفحات مضيئة فى تاريخ العسكرية المصرية، بالإعلان عن اكتمال بناء حائط الصواريخ على امتداد جبهة قناة السويس، وبدء تساقط طائرات العدو معلنةً بتر ذراعه الطولى، وتحققت المعجزات.حيث تمكنت تجميعات الدفاع الجوى صباح يوم 30 يونيه 1970 من إسقاط طائرتى فانتوم، وطائرتى سكاى هوك وتم أسر ثلاثة طيارين إسرائيليين، وكانت هذه أول مرة تسقط فيها طائرة فانتوم وتوالى بعد ذلك سقوط الطائرات حتى وصل العدد إلى (12) طائرة بنهاية الأسبوع وهو ما أطلق عليه أسبوع تساقط الفانتوم. وكان بطل هذه الملحمة (المقدم عادل حسنين) المعروف باسم بطل الكمائن فى حرب الاستنزاف.
وانهار التفوق الجوى للعدو فوق جبهة قناة السويس مما أجبر إسرائيل على قبول (مبادرة روجرز) لوقف إطلاق النار اعتباراً من صباح 8 أغسطس 1970.. لتسطر قوات الدفاع الجوى أروع الصفحات وتضع فى عام 1970 اللبنة الأولى فى صرح الانتصار العظيم للجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973، حيث كان له الفضل فى تحييد القوات الجوية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر 1973، مما سهل عملية العبور واجتياز خط بارليف فخلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب فقد العدو الجوى الإسرائيلى أكثر من ثلث طائراته وأكفأ طياريه،مما جعل قائد القوات الجوية الإسرائيلية يصدر أمرا لطيرانه بعدم الاقتراب من جبهة قناة السويس حتى خمسة عشر كيلو منها وهى مدى حائط الصواريخ المصرى، كما أعلن (موشى ديان) فى رابع أيام القتال أنه عاجز عن اختراق شبكة الصواريخ المصرية.
وأخيرا فإن مصر لا تنسى أبطالها الذين رفعوا رايتها وحققوا الانتصار الكبير فقد كرم الرئيس السيسى فى الندوة رقم 51 للاحتفال بنصر أكتوبر المجيد السيد اللواء نادر عبد الوهاب قائد الكتيبة 415 والتى أسقطت 22 اثنين وعشرين طائرة إسرائيلية خلال حرب أكتوبر المجيدة. ولا ننسى الكتيبة 418 بقيادة اللواء أيمن حب الدين والتى حاربت من موقع بور فؤاد والتى أسقطت 17 طائرة إسرائيلية والتى ذكرها الرئيس الراحل أنور السادات فى إحدى خطبه، وهناك أبطال كثيرون لم يتسع المقال لسرد أسمائهم. هذه هى قوات الدفاع الجوى التى أذاقت العدو مرارة الهزيمة وقطعت اليد الطولى للعدو الإسرائيلى، وساعدت فى إنجاز نصر أكتوبر العظيم.