رحلة انتشال الشباب من مستنقع الإدمان
![](/UserFiles/News/2024/12/11/434991.jpg?241214190000)
عبد الوكيل أبوالقاسم
تحولت التجربة المصرية، فى مكافحة الإدمان، إلى تجربة رائدة على مستوى العالم، فخلال السنوات الأخيرة خاضت الدولة معركة شرسة ضد «تعاطى المخدرات»، ونجحت فى توفير بيئة «مناسبة» للإقلاع عنها، بتنفيذ أكبر حملة توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة، لتحصين الشباب من الوقوع فريسة لـ«المخدرات»، علاوة على توفير العلاج المجانى وفى سرية تامة للمتعاطين عبر 33 مركزا علاجيا بـ19 محافظة، من خلال صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، الذى عمل على انتشال الشباب من «مستنقع الإدمان»، ويعمل على تمكينه مجتمعيًا من خلال تأهيله وتدريبه على العديد من المهن، أو توفير قروض ميسرة له من خلال بنك ناصر الاجتماعى.. ومما لا شك فيه، أن هناك أبطالًا وقصص نجاح، تغلب أصحابها على إدمانهم وواجهوا التحديات من أجل العودة الى الحياة مرة أخري، إذ أن أقصر الطرق للإقلاع عن الإدمان وأكثرها أمنًا وسلامًا، هى المراكز العلاجية التابعة لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، فالوصول إليها لم يكن صعبًا، لكن عندما يكون هناك إرادة وعزمة، فيمكن التواصل مع الخط الساخن للصندوق «16023»، ما يعكس الجهود المبذولة لمواجهة هذا التحدي، حيث توفر هذه المراكز البالغ عددها 33 مركزا بيئة داعمة وبرامج علاجية متكاملة تشمل العلاج النفسى، والجسدى، والتأهيلي.
وتعمل هذه المراكز بتكامل مع جهود التوعية المجتمعية وبرامج الوقاية من الإدمان، ويتوفر بها الخصوصية والسرية التامة والعلاج المجاني، تحت إشراف خبراء متخصصين يعملون بكامل طاقتهم لمساعدة المرضى حتى خروجهم إلى بر الأمان وتأهيلهم للعودة لممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
ويأتى مركز العزيمة ببور فؤاد ليقدم الخدمة العلاجية المجانية لـ 3 آلاف مريض إدمان سنويًا ما بين عيادات خارجية وحجز داخلي، ويقع فى محافظة بورسعيد وتابع لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، إذ أن هذا المبنى كان أصلًا غير مستغل بمساحة 4500 متر مكعب، وتمثل المساحة الإنشائية 60% من المساحة الكلية، وجاء قرار اللجنة الوزارية لحصر الأصول غير المستغلة وتخصيص المبنى لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان لتشغيله وتحويله لمركز لتأهيل مرضى الإدمان وهو أول مركز تأهيلى بالمحافظة، وافتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، فى فبراير 2021.
وصمم مركز العزيمة وفقًا للمعايير الدولية، ويوجد به عيادات خارجية وحجز داخلى وغرف الإقامة للمرضى وغرف إدارية وقاعات علاج جماعى وصالة ألعاب رياضية وملعب خماسى وتنس طاولة وبلياردو ومجمع فنون وقاعة الحاسب الآلى وورشة عمل علاج بالعمل وعيادة الطوارئ والمطبخ وصالة الطعام وكافتيريا ومسجد ومغسله وقاعة اجتماعات.
برامج دمج مجتمعى للمتعافين
وكان الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، قد أكد أهمية تطبيق برامج الدمج المجتمعى للمتعافين من الإدمان وأثره على تحسين جودة الحياة لديهم، لافتًا إلى أنه يتم تقديم خدمة العلاج بمراكز العزيمة التابعة للصندوق أو الجهات الشريكة مع الخط الساخن «16023» البالغ عددها 33 مركزًا علاجيًا فى 19 محافظة حتى الآن وفقًا للمعايير الدولية وبما يتفق مع حقوق مريض الإدمان، منوهًا إلى أن تحليل الخصائص الديموجرافية للمترددين على العلاج يكشف عن أن نسبة 85% منهم تقع ضمن الشريحة العمرية من 18 إلى 40 عامًا، وهى ذروة مرحلة العمل والإنتاج.
ولفت إلى أن دراسة تطبيق برامج الدمج المجتمعى للمتعافين من الإدمان تشير إلى ارتباط وثيق بين المخدرات وضعف الكفاءة الإنتاجية وعدم القدرة على العمل خلال فترة الإدمان النشط، لذلك يُنفذ الصندوق برنامجًا متكاملًا للدمج المجتمعى للمتعافين من الإدمان يتضمن حزمة من التدخلات الاجتماعية والثقافية والنفسية لمساندتهم على الاندماج بنسيج المجتمع كأعضاء فاعلين ومنتجين منها تدخلات للتمكين الاقتصادى للمتعافين ضمن برنامج الدمج المجتمعي، وقد تضمن هذا المكون برامج تدريب مهنى على حرف يحتاجها سوق العمل، حيث أنشأ الصندوق ورشًا للتدريب المهنى فى جميع المراكز العلاجية التابعة له واستفاد منها ما يقرب من 14 ألف متعافٍ خلال 2023، ويشارك المُتعافون فى تجهيز جميع المراكز العلاجية الجديدة وتأثيثها كما يوفر الصندوق من خلال بنك ناصر الاجتماعى قروض المشروعات الصغيرة للمتعافين.
وأضاف: دراسة تطبيق برامج الدمج المجتمعى للمتعافين من الإدمان وأثره على تحسين جودة الحياة لديهم التى أعدها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان تعد الأولى من نوعها فى المنطقة العربية التى ترصد أثر برامج التمكين الاجتماعى والاقتصادى للمتعافين من الإدمان على الارتقاء بجودة حياتهم، وقام فريق عمل الدراسة بتطبيق مقياس جودة الحياة على 2080 مفردة مع مراعاة التمثيل النسبى للإناث الذى يمثل 6% من إجمالى العينة، واتضح وجود ارتفاع فى الاعتماد على النفس لدى الحاصلين على برامج الدمج عن نظائرهم من غير الحاصلين عليها، بما يشير إلى الأثر الإيجابى لهذا النوع من البرامج فى زيادة الاعتماد على النفس، وتعزيز الثقة لدى المتعافين، كما أن هناك أثرًا واضحًا لبرامج الدمج المجتمعى فى تعزيز شبكة العلاقات الاجتماعية للمتعافين والارتقاء بمهاراتهم الاجتماعية واستردادهم لثقتهم بأنفسهم وبالآخرين.
وبحسب تصريحات صحفية لمدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، فإن البرنامج التأهيلى بمراكز العزيمة يعتمد على الدمج بين مجموعة برامج تأهيلية تتمثل فى التأهيل النفسى والعلاج المعرفى السلوكى وبرنامج مهارات منع الانتكاسة كذلك التأهيل المهنى «العلاج بالعمل»، والتأهيل البدنى «العلاج بالرياضة»، بجانب الأنشطة الترفيهية بشكل يومي.
ومن أهم محاور عمل الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات والحد من مخاطر التعاطى والإدمان، هى «التنسيق مع الوزارات والجهات المعنية»، حيث تتضمن الوقاية الأولية والتحول من الوعى للوقاية بالمؤسسات التعليمية والشبابية وتنفيذ برامج موجهة للأسرة، و«الوقاية والاكتشاف المبكر» مع التركيز على المناطق الأكثر عرضة لمشكلة المخدرات وتهيئة بيئة تعليمية ورياضية تعزز قدرة النشء والشباب على رفض ثقافة تعاطى المواد المخدرة واستثمار المؤسسات الدينية بشكل فاعل فى تصحيح الثقافة المغلوطة حول تعاطى المواد المخدرة مع التركيز على التعريف بالخدمات المجانية لعلاج الإدمان لا سيما فى المحافظات الأقل طلبًا لتلك الخدمات. كما تتضمن الخطة أيضًا الاكتشاف المبكر للتعاطى والتدخلات الوقائية الثانوية من خلال حملات للتوعية بقانون 73 لسنة 2021 بشأن الكشف عن التعاطى للموظفين والسائقين والتواصل مع القطاع الخاص لتبصيره بالعلاقة بين تعاطى العامل وضعف الكفاءة الإنتاجية وتحفيز القطاع الخاص بإعلان مؤسسات خالية من التعاطى والتدريب وبناء القدرات وإعداد الكوادر العاملة، كذلك إتاحة وتوفير الخدمات العلاجية لمرضى الإدمان والتوسع فى البرامج المثبت فعاليتها بشأن تأهيل ودمج المرضى المتعافين وتمكينهم مهنيًا واقتصاديًا، ومواجهة الوصم الاجتماعى والتميز تجاه المتعافين وتضمين المسلسلات خطوطًا درامية بهذه القضية وتجهيز مراكز مخصصة لتفعيل التدابير البديلة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمى والدولى فى مجال خفض الطلب على المخدرات ومتابعة تنفيذ الخطة العربية التى أعدها الصندوق بالتعاون مع جامعة الدول العربية فى 2023، كذلك إعداد نظام حوكمة وقواعد بيانات تشمل المستفيدين من برامج الوقاية والخاضعين للكشف والسائقين المهنيين والمستفيدين من برامج العلاج والتأهيل.
1-«شادى نبيل»: محنتى بدأت بسيجارة.. ومرحلة التعافى تمت خلال 40 يومًا
![](https://daily.rosaelyoussef.com/UserFiles/NewsInnerImages/2024/12/11/434991/شاادى_20241211175911.jpg)
«الفضول وغياب والدى لسفره إلى الخارج وكثرة الأموال».. بهذه الكلمات بدأ شادى نبيل، البالغ من العمر 35 عامًا، وخريج كلية نظم ومعلومات، فى سرد معاناته وتجربته مع إدمان المواد المخدرة، مؤكدًا أنه بدأ التعاطى فى سن ٢٢ سنة، بتناول مخدر الحشيش الذى كان يجعله دائمًا «مبسوطًا» وينسيه أى مشاكل وهموم ـ على حد قوله ـ.
ويضيف: العزيمة ووقوف والدتى بجواري، دفعانى إلى أن أطلب منها ربطى فى السرير حتى لا يغوينى الشيطان، واستطعت خلال ٤٠ يومًا أن ابدأ مرحلة التعافي، ثم تواصلت مع مركز العزيمة وبدأت مرحلة أخرى داخل المركز، مشيرًا الى أن العاملين فى المركز استقبلونى وساعدونى فى الخروج من محنتى وتعايشت ٦٠ يومًا ما بين المتابعة والكشف الطبى بشكل مستمر، فضلًا عن تقديم النصائح لى التى ساعدتنى فى التحمل والاستمرار حتى تعافيت بشكل نهائي، قائلًا: «عشت أسوأ ايام حياتى كنت دائمًا فى عزلة عن الناس، ودائمًا فى حالة نفسية سيئة، فقررت أن أتعافى وأعيش حياة طبيعية، دون مخدرات والآن أتردد على المركز بشكل شهرى لاستقبال النصيحة والكشف الطبى».
2-«أحمد حراز» يودع 17 عامًا من التعاطى والهلوسة فى 60 يومًا فقط
![](https://daily.rosaelyoussef.com/UserFiles/NewsInnerImages/2024/12/11/434991/احمد_حرازز_20241211175939.jpg)
قال الشاب أحمد حراز، من محافظة بورسعيد، ويبلغ من العمر ٣٣ سنة، متزوج ولدية ٣ أطفال: إنه بدأ تعاطى المواد المخدرة وهو فى سن المراهقة وبالتحديد فى الصف الثالث الإعدادى مع أصدقائه، وأصبح يتعاطى المخدرات، والبرشام، ويتناول الخمرة أيضًا، منوهًا إلى أنه حرفي، وسافر للعمل فى الخارج، ومع ذلك كان يتعاطى المواد المخدرة أثناء السفر، وبعد ١٧ عامًا من التعاطى قرر أن يتعافى فتوجه إلى مركز العزيمة ببورفؤاد، ومن هنا بدأت رحلته إلى العلاج والتعافى.
وأوضح حراز، أن عدم توفير المواد المخدرة للشخص المتعاطى، تدخله فى حالة اكتئاب، وتؤثر على نفسيته، وتدفعه إلى إثارة المشاكل واختلاقها مع الجميع، مؤكدًا أن والده ووالدته وزوجته لهم فضل كبير فى علاجه، خاصة أنه عاش أيامًا صعبة، حيث كان دائم الشجار مع الجيران والمواطنين فى الشارع لأن المخدرات أدخلته فى حالة هلوسة، لكن تم علاجه من الإدمان داخل مركز العزيمة فى مدة ٦٠ يومًا، ويتردد الآن على المركز لمتابعة حالته.
3-«محمد طلبة»: أصدقاء السوء أفسدوا حياتي.. وأتابع حالتى أسبوعيًا
![](https://daily.rosaelyoussef.com/UserFiles/NewsInnerImages/2024/12/11/434991/محمد_طلبة_20241211180026.jpg)
أكد محمد طلبة، البالغ من العمر 36 عامًا، أحد المتعافين من الإدمان، ومتزوج ويعول أسرة مكونة من 3 أفراد وهم: طفلان، وزوجته، ويعمل كهربائيًا، أن البداية كانت بـ «عزومة» على تناول مخدر الحشيش حتى أدمنه ووصل إلى مرحلة أنه لا يستطيع التحرك وممارسة حياته الطبيعية إلا بتناول الحشيش، ما انعكس على حياته وتسبب فى تدهورها وأهمل أسرته لسنوات طويلة.
وقال إنه بدأ فى تعاطى المواد المخدرة من سن ١٨ عامًا، ويؤكد أنه كان يعتقد بشكل خاطئ أن تعاطى هذه المواد المخدرة يساعد فى الهروب من المشاكل، لكن بمساعدة الفريق العلاجي، وصندوق مكافحة وعلاج الادمان، إلى جانب أسرته استطاع فى التعافى خلال 70 يومًا قضاها داخل مركز العزيمة ببور فؤاد فى محافظة بورسعيد.
وأوضح أن اسرته أقنعته بفكرة التعافي، وأن ما دفعه بقوة لاتخاذ هذه الخطوة حديثهم عن مريض بالإدمان تم علاجه وأصبح متعافيًا تمامًا، ومن هنا بدأ يفكر فى العلاج وبالفعل بدأت رحلة العلاج، ووجد تعاونًا كبيرًا وعلاجًا على أعلى مستوى، بالإضافة إلى توفير أشياء كثيرة من صالة جيم، وملعب كورة قدم، وبلايستيشن، وغيرها.
وتابع طلبة: «إننى أقوم بالمتابعة أسبوعيًا، حيث أقيم يومين فى الدار لمتابعة حالتي، علمًا بأن أصدقاء السوء هم الذين دفعونى نحو طريق الإدمان والحمد لله قطعت علاقتى بهم نهائيًا حتى لا أضعف مرة أخرى وعدت للحياة مرة ثانية بعد فقدانها لما يقرب من 18 عامًا».