خبراء: التحدى الأخطر هو الحفاظ على وحدة الأراضى السورية
هل تسقط سوريا فى مستنقع الطائفية؟
![](/UserFiles/News/2024/12/11/435001.jpg?241214190000)
إسلام عبدالكريم نشوى يوسف
تفاجأ العالم أجمع بسيطرة الميليشيات المسلحة على حلب وإدلب، ومن بعدها حمص وحماة، إلا أن المفاجأة كانت أكبر مع الوصول إلى العاصمة والسيطرة عليها، فأيام قليلة فصلت بين بداية التحرك للفصائل المسلحة فى حلب حتى وصولها إلى دمشق ومغادرة الرئيس السورى بشار الأسد، العاصمة والبلاد لتنتهى حقبة حرب دامت لأكثر من عقد من الزمان.
واستغرق سقوط نظام «بشار»، أكثر من ثلاثة عشر عامًا، وقع خلال تلك الفترة خراب وإراقة دماء لا يوصفان، وقد عزت بعض التحليلات والصحف العالمية هذا الأمر، إلى أن القوى الخارجية حولت سوريا إلى ساحة معركة بالوكالة لتحقيق طموحاتها الخاصة، إلا أن سقوط النظام فاجأ الجميع، رغم أنه كان يعانى على مدار سنوات، لكن سرعة انهياره شكلت صدمة، خاصة لما لهذا الأمر من تداعيات وتأثيرات على منطقة الشرق الأوسط.
ورأت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن هناك تأثيرات عميقة على الشرق الأوسط، وعلى توازن القوى العالمى، جراء التطورات الأخيرة على الساحة السورية، فهناك العديد من القوى الفاعلة فى سوريا، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، وسيكون هناك تداعيات لما حدث على مصالحهم.
ولعل أبرز تلك التداعيات، مصير الاتفاقيات الموقعة بين روسيا وسوريا حول القواعد العسكرية البحرية والجوية، التى تعتبرها «موسكو» حيوية ومنفذها الأوحد على منطقة الشرق الأوسط، بينما يظل أكبر المخاوف التركية على الإطلاق، استغلال «الأكراد» التطورات ويشكلون كيانًا منفصلًا، على غرار كردستان العراق، على حدودها الجنوبية.
إيران، رغم خسارتها حليف قوى ومهم، إلا أنها تخشى أن يكون هناك تأثير لوصول قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولانى، «أحمد الشرع» إلى القيادة فى سوريا، على الأوضاع فى العراق فيما يتعلق بإثارة الطائفية، خاصة أن «الجولانى» سبق وشارك فى مواجهات ضد الميليشيات الشيعية بالعراق فى 2003، لذا فطهران لا تريد مغامرة من هذا النوع على حدودها مع العراق.
أما الولايات المتحدة فقد دعمت الأكراد بشكل مباشر وقوى، لكن تصريحات الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، أكد خلالها أن ما يحدث فى سوريا لا يخص الولايات المتحدة، قائلا بشكل واضح وصريح: «ليست معركتنا»، إلا أنه من بين الأمور اللافتة ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست، نقلًا عن مسئول كبير فى الإدارة الأمريكية، أن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى لضمان الاستقرار فى سوريا، ما يفتح المجال أمام احتمال شطب «هيئة تحرير الشام» من قائمة الإرهاب للتعامل معها بفعالية أكبر.
وكعادتها، استغلت إسرائيل الاضطرابات التى تشهدها الساحة السورية لتمارس عادتها المحببة وهى «الاحتلال»، فبعد ساعات قليلة من سيطرة الفصائل على دمشق ومغادرة الرئيس الأسد للبلاد، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بشكل أحادى انتهاء العمل باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وأصدر التعليمات لجيشه باحتلال المناطق العازلة فى سوريا، ودفعت إسرائيل بتعزيزات عسكرية إلى منطقة القنيطرة وسيطرت على جبل الشيخ، ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق والاتفاقيات المبرمة.
وخلال ساعات، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلى بتوجيه ضربات إلى مواقع الجيش السورى، مستهدفًا المواقع الحيوية ومخازن الأسلحة الاستراتيجية، خاصة الصواريخ، واستهداف قطع البحرية فى ميناء اللاذقية، ومطارات حربية فى مواقع أخرى، مُدمرة قدرات الجيش السورى على المدى البعيد.
وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلى، جدعون ساعر، أن تواجد قوات الجيش الإسرائيلى فى المنطقة العازلة هو مؤقت ومحدود، إلا أن نتنياهو أعلن أن الجولان ستبقى جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل إلى الأبد، دون أن يتطرق لأى انسحاب من المنطقة العازلة.
فيما أعلن رئيس الوزراء السورى السابق، محمد الجلالى، موافقته على تسليم السلطة إلى حكومة الإنقاذ التابعة للمعارضة، ما يمثل خطوة بارزة فى المشهد السياسى السورى، وذلك بعد تكليف محمد البشير، رئيس حكومة الإنقاذ فى إدلب بتشكيل حكومة جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية بعد سقوط بشار الأسد.
وتسود حالة من التفاؤل الحذر بين جموع السوريين، الذين يتوقون إلى مستقبل أفضل لبناء دولة أنهكتها الحرب لأكثر من عقد، فى وقت يخشون فيه من مآلات أخرى قد تعرقل تلك الأحلام.
وقالت الباحثة السورية وعضو اللجنة المصغرة لصياغة الدستور، الدكتور رغداء زيدان، إن هناك العديد من التحديات التى تواجه سوريا فى الوقت الحالى، خاصة بعد الحرب الطاحنة التى عانت البلاد ويلاتها، والجرائم التى اقترفها النظام السابق بحق أبناء شعبه، إلا أن التحدى الأكبر والأهم هو الحفاظ على استقرار ووحدة الأراضى السورية.
وأضافت «زيدان» لـ«روزاليوسف»: هناك عدة تحديات أخرى، فهناك تحدى الحفاظ على السلم الأهلى ومنع أعمال الانتقام، وتحدى العدالة الانتقالية، وهناك التحدى الاقتصادى، وتحدى إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين والنازحين وإعادة أملاكهم، وأشياء كثيرة تحتاج لجهود جميع السوريين والسوريات الوطنيين لمعالجتها وتخطيها».
وحول مسألة تجاوز التنوع بين الفصائل المسلحة، رأت «زيدان» أنه يوجد حاليًا استعداد كبير لدى تلك الميليشيات العسكرية للاندماج، وهو ما تم الإعراب عنه بأكثر من صورة، مؤكدة أن هناك تعاونا وتنسيقا بين هذه الفصائل.
وشددت عضو اللجنة المصغرة لصياغة الدستور، على أن السياسيين يدركون أهمية العمل العسكرى الذى استطاع إسقاط نظام الأسد، كما أن الفصائل العسكرية باتت تدرك بدورها، بأن نجاح عملية الخروج بسوريا من مستنقع الحرب يحتاج إلى السياسيين، موضحة: «لذلك نجد هناك استعدادا كبيرا بين الجميع للتعاون من أجل إنجاح عملية الانتقال السياسى وإعادة الاستقرار لسوريا».
وفيما يتعلق بتداخل النفوذ الدولى فى الأراضى السورية، أشارت إلى أن التدخل الدولى فى القضية السورية أطال أمد الحرب، وهو يعد من التحديات الهامة أمام الإدارة الجديدة، مؤكدة أن هناك تفاؤلا كبيرا بقدرة السوريين للتعامل مع هذه التحديات.
وأضافت أن إدارة البلاد ستتم بأيدى السوريين، مردفة: «قادرون على التعامل بحكمة مع دول الجوار وكل الدول الإقليمة والدولية».
وقال السفير حسين هريدى مساعد وزير الخارجية الأسبق، لـ«روزاليوسف»، إن انهيار سوريا هو انهيار للشام، وأن أكبر التحديات التى يمكن أن تواجه سوريا هو إعادة البناء سواء على المستوى الاقتصادى أو النظام السياسى، والاتفاق على دستور جديد، والعلاقات مع دول الجوار والدول العربية، متسائلا: كيف يمكن التعامل مع أحد أهم الأشخاص فى العملية السياسية الآن وهو «الجولانى» وهو أحد أعضاء تنظيم القاعدة ؟!.
وأشار إلى أن الكل مستفيد مما حدث فى سوريا وهو مخطط منذ بداية اندلاع الربيع العربى فى 2011 وهى خطة إسرائيلية أمريكية للسيطرة على المنطقة، موضحًا أن ما حدث الآن تم بناء على اتفاق بين قوى إقليمية ودولية، بأن يغادر «الأسد»، مقابل ضمان سلامته حقنا للدماء، وهو ضمن مخطط إعادة ترتيب أوراق المنطقة، فكانت هناك حرب فى غزة منذ عام وتم تدميرها، وفى 3 شهور تم تدمير حزب الله فى لبنان وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، وهو ما يفسر تدمير حماس وحزب الله، وللتعامل مع إيران فى تقدير المخططين، لن يتم سوى بعد فك الارتباط بين سوريا وطهران، وهذا لن يتم إلا بإزاحة بشار الأسد.
من جهته، يرى د. عبدالمنعم سعيد عضو مجلس الشيوخ المصرى، ورئيس اللجنة الاستشارية لـ«المجلس المصرى للدراسات الاستراتيجية»، أن أهم التحديات التى تواجه سوريا الآن هو الحفاظ على وحدة ما سموه بغرفة العمليات التى تضم عددا من التنظيمات التى شاركت فى الهجمة الأخيرة، بأن يدشنوا وزارة تتماشى مع ما قالوه عن شمولهم لكل طوائف الشعب لعبور المرحلة الانتقالية بسلام، لافتًا إلى أنهم لن يتمكنوا من استيعاب بعض التحديات الخارجية، مثل العلاقة مع «داعش» أو التنظيمات المتشددة، حيث ستشهد بعض الارتباكات.
وأوضح، أنه إذا حدثت الوحدة بينهم، سيتم من خلالها عمل نظام يحافظ على سوريا، مؤكدا أن ذلك لن يتم إلا باستمرارية العمل اليومى، حيث لابد من استمرار عمل البنك المركزى، والبنوك، واستمرار العملية التعليمية، وغيرها من أمور الحياة اليومية لتبث الهدوء والاستقرار النسبى فى سوريا خلال المرحلة التى يترجمون فيها القرار 2254 الذى له علاقة بعمل دستور دائم انتخابات.
وأكد عضو مجلس الشيوخ، أن كل ما سيحدث سيكون له ثمن، لأنهم قطعوا وعودا ببناء سوريا جديدة مستقرة خلافًا لسوريا البعثية، موضحًا أن بايدن يريد عمل شىء قبل انتهاء ولايته، لأن «ترامب» لن يكون له صلة بالأمر.