هل تسببت السينما فى صناعة «فوبيا» من المرض النفسى ؟

آية مجدى
كانت السينما وما زالت تعكس ثقافات الشعوب وشخصياتها وحضارتها، كما تسلط الضوء على قضايا المجتمع، ويعد المرض النفسى أحد أهم الموضوعات التى تناولتها الشاشة، إذ تم تقديم المرضى النفسيين فى أشكال متعددة، منها ما يظهر معاناتهم، بينما تظهر البعض منها هذه الشخصيات كرموز للخطر أو للسخرية منها.
«روزاليوسف» تستعرض فى هذا التقرير أبرز الأعمال الفنية التى تناولت المرض النفسى على الشاشة، بالإضافة إلى آراء النقاد وأخصائيى الطب النفسى، حول هذه الأعمال وتأثيرها فى تشكيل النظرة العامة للمجتمع تجاه المرضى النفسيين.
فى البداية يرى عدد من النقاد، أن هناك أعمالا فنية قدمت المرض النفسى بشكل إيجابى فى السنوات الماضية، إذ تقول الناقدة ماجدة خيرالله: «هناك أعمال فنية تناولت الموضوع بطريقة إيجابية ودقيقة، أبرزها فيلم «أين عقلى» الذى عالج المرض النفسى بعمق وجدية تعكس تعقيد الحالات الإنسانية، بينما توجد أفلام أخرى صورته بشكل هزلى وغير واقعى بهدف إضحاك الجمهور، وهو أمر غير مقبول لأنه يقلل من خطورة هذه الأمراض وتأثيرها».
وأضافت:« نحن بحاجة إلى أعمال تُقدم بصورة دقيقة وإيجابية عن المرض النفسي، وعلى الكُتاب إدراك أن معظم الناس يواجهون مشاكل نفسية، ومن الضرورى التمييز بين المرض النفسى والعقلي، لأن ذلك مسئولية كبيرة لا ينبغى الاستهانة بها».
وأشارت إلى أن الفنان نور الشريف له العديد من التجارب فى تقديم صورة المريض النفسي، خاصة فى فيلم “السراب”، حيث قدم دور المريض النفسى بعمق ليصبح أفضل من عكسوا معاناة المرض بشكل واقعى على الشاشة.
من جانبه، قال الناقد محمود قاسم: “الكاتب إحسان عبد القدوس هو أول من تناول ظاهرة المرض النفسى فى رواياته، والتى تحولت فيما بعد إلى أفلام سينمائية، ومن أبرز هذه الأعمال رواية “بئر الحرمان”، التى كانت مستوحاة من فيلم أمريكى صدر عام 1957 بعنوان “ثلاث وجوه لحواء”، وهناك أيضًا رواية “أين عقلي”، التى تحولت إلى فيلم من إخراج عاطف سالم، حيث تتناول قصة زوج يكتشف حقيقة زوجته ليلة الزفاف، مما يؤدى إلى أزمة نفسية عميقة تؤثر على حياتهما، وكذلك رواية “أرجوك اعطنى هذا الدواء”الذى ناقش مشكلة اجتماعية تتمثل فى معاناة البطلة من زوجها بسبب علاقاته المتعددة، مما يضطرها للذهاب إلى طبيب نفسي.”
وتابع قاسم: «هناك أعمال بارزة تناولت المرض النفسى بطرق مختلفة، أبرزها فيلم “أسف على الإزعاج”، الذى عالج الموضوع بشكل إيجابى من خلال حبكة اجتماعية ممتعة».
أما عن أفضل من جسدوا أدوار المرض النفسى فى السينما، فيرى قاسم: “الفنان محيى إسماعيل من أبرز هؤلاء الفنانين الذين قدموا أدوارًا عديدة فى هذا السياق، مثل دوره فى فيلم “دموع الشيطان”، حيث نجح فى التعبير بصدق عن الصراعات النفسية، والفنانة سعاد حسنى قدمت أدوارًا أكثر من رائعة، بالإضافة إلى الفنانة إلهام شاهين من خلال دورها فى فيلم “أيام الغضب”.
ويرى الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، أن السينما المصرية فى الماضى قدمت صورة سلبية ومشوهة عن المرض النفسي، حيث ساهمت أفلام عديدة فى ترسيخ مفاهيم خاطئة، أبرزها أن المرض النفسى يعنى الجنون أو الفوضى، مضيفا:” هناك العديد من الأفلام مثل “إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين” و”المليونير”، والتى حققت نجاحًا كبيرًا كأعمال كوميدية، لكنها تجاوزت دورها ككوميديا وأصبحت تمثل واقعًا مشوهًا فى أذهان الجمهور، مما جعل الناس يعتقدون أن المرض النفسى يعنى التصرفات غير المنطقية، وهذا التصور الخاطئ كان من أخطر العقبات التى واجهت المرضى النفسيين”.
وتابع فرويز: «هذه الأفلام للأسف صورت المرضى النفسيين كمصدر للسخرية أو الخوف، مما أدى إلى ابتعاد المرضى عن طلب العلاج، والأكثر خطورة أنها قدمت صورة غير واقعية تمامًا عن المستشفيات النفسية، حيث صورتها كأماكن مليئة بالفوضى والتصرفات الغريبة، وهو ما يتعارض مع الحقيقة”.
وأضاف :«المستشفيات النفسية هى أماكن منظمة تقدم رعاية طبية متخصصة، حيث يتلقى المرضى علاجات متنوعة مثل العلاج النفسى أو العلاج بالفن أو الموسيقى بحسب حالتهم، لكن ما قدمته السينما قديمًا عن المستشفيات كارثة وتعتبر صورة خيالية وغير صحيحة، وهذه الصورة المشوهة لاتزال عالقة فى أذهان الناس حتى اليوم، مما جعلهم ينظرون إلى المرض النفسى بشكل سلبي”.
واستطرد :«أحيانا يحدث خلط بين المفاهيم لدى بعض المؤلفين، مثل الخلط بين القصور الفكرى أو التخلف العقلى والمرض النفسى، لكن ليس جميع المرضى النفسيين يعانون من نفس الأعراض هناك من يعانى من اكتئاب وآخر يعانى من الوسواس القهرى، لكن يمكن للمريض النفسى أن يؤدى أى وظيفة، سواء كانت طبيبًا أو محاسبًا أو مهندسًا أو حتى مدرسًا، فالمرض النفسى لا يعنى الفشل فى العمل أو الحياة، بل على العكس، مع الالتزام بالعلاج، يمكن للشخص المريض نفسيًا أن يحقق النجاح فى عمله وحياته بشكل طبيعي”.
وعن تناول السينما الحديثة السنوات الماضية للأعمال التى ناقشت المرض النفسي، قال فرويز: «السينما الحديثة بدأت فى تصحيح الأخطاء القديمة، وظهر ذلك فى تقديم أعمال أكثر دقة وواقعية حول المرض النفسي، ومن بين الأدوار المتميزة، الفنان خالد الصاوى الذى قدم أداءً رائعًا فى فيلم “الفيل الأزرق”، حيث جسد شخصية المريض النفسى بشكل احترافى، مما ساهم فى توعية الجمهور بفهم المرض النفسى بطريقة أكثر إنسانية وواقعية”.
وتابع:”هناك أفلام أيضًا عالجت المرض النفسى بشكل جيد، أبرزها فيلم “آسف على الإزعاج”، حيث تناول صورة إيجابية للمريض النفسى، وهى الحالة الناتجة عن التعرض لضغط نفسى شديد بسبب وفاة أحد المقربين، لكن البطل لم يتقبل فكرة أنه مريض، إلا أنه اقتنع بعد ذلك بضرورة تلقى العلاج، وهذا ظهر بصورة واقعية لم نجدها فى السينما من قبل”.
وحول تناول السينما للمرض النفسى، قال «هناك بعض الأفلام التى قدمت معالجة واقعية ومميزة للمرض أبرزها فيلم “باب الحديد” ليوسف شاهين، والذى تحدث عن شخص يعانى من اضطرابات نفسية فى سياق اجتماعي، مما أظهر صراعته الداخلية بصدق ودون مبالغة، وفيلم “أين عقلي” ناقش تأثير الحرمان العاطفى وعقدة “أوديب” المرتبطة بالزوج، وكذلك فيلم “خلى بالك من عقلك” الذى تناول حالة مريضة تعانى من أفكار شكوكية واضطهادية، مسلطًا الضوء على ظاهرة “الطرح العكسي” وهى تعلق المعالج النفسى بالمريضة”.
وأكد «فرويز»، أن العلاج النفسى لا يقتصر فقط على الأدوية، بل يشمل أيضًا جلسات نفسية وعلاجًا سلوكيًا يتناسب مع حالة كل مريض، وأن اللجوء إلى غير المتخصصين يمثل مشكلة كبيرة تؤدى إلى تأخير العلاج وتفاقم الحالة، مشددًا على أن المريض النفسى يمكنه تحقيق النجاح فى حياته مثل أى شخص آخر إذا حرص على الرعاية المناسبة.
واختتم حديثه بالدعوة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأدوية النفسية، موضحًا:”الأدوية النفسية آمنة ولا تسبب الإدمان كما يشاع، بل هى جزء أساسى من العلاج وتساعد المرضى على العيش بشكل طبيعى واستعادة توازنهم النفسي، والمرض النفسى ليس عيبًا، وهناك بعض المؤلفين قدموا صورة إيجابية عن المريض النفسي، فإن ذلك يمنحهم راحة نفسية، لأن الصورة القديمة فى السينما كانت تتضمن السخرية، وكذلك المستشفيات النفسية ليست أماكن للعزلة أو الفوضى كما صورت السينما فى الماضي، بل هى مؤسسات علاجية تهدف إلى تقديم أفضل رعاية ممكنة للمرضى.
«باب الحديد» 1958
بطولة فريد شوقى وهند رستم ويوسف شاهين ونعيمة وصفى وتأليف عبد الحى أديب وإخراج يوسف شاهين
«أين عقلى؟» 1974
بطولة سعاد حسنى ومحمود ياسين ورشدى أباظة وعماد حمدى ونبيلة السيد وتأليف رأفت الميهى وأخراج عاطف سالم
«بئر الحرمان» 1969
بطولة سعاد حسنى ونور الشريف ومحمود المليجى ومريم فخر الدين ومحيى إسماعيل وتأليف يوسف فرنسيس وإخراج كمال الشيخ.
«المنزل رقم 13» 1952
بطولة فاتن حمامة وعماد حمدى ولولا صدقى ومحمود المليجى وسراج منير وتأليف وإخراج كمال الشيخ
«البيت الملعون» 1987
بطولة كمال الشناوى وماجدة الخطيب وسمير صبرى ومريم فخر الدين وتأليف وإخراج أحمد الخطيب
«السراب» 1970
بطولة نور الشريف وماجدة وتحية كاريوكا ورشدى أباظة وعقيلة راتب وتأليف على الزرقانى وإخراج أنور الشناوي.
«أرجوك أعطنى هذا الدواء» 1984
بطولة نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوى وماجدة الخطيب وسيناريو وحوار مصطفى محرم وإخراج حسين كمال.
«خلى بالك من عقلك» 1985
بطولة عادل إمام وشريهان وجلال الشرقاوى وأحمد بدير وتاليف أحمد عبد الوهاب وإخراج محمد عبد العزيز.
«دموع الشيطان» 1986
بطولة فريد شوقى وسماح أنور ومحيى إسماعيل ومريم فخر الدين وتأليف محمد الباسوسى وإخراج عادل الاعصر.
«آسف على الازعاج» 2008
بطولة أحمد حلمى ومنة شلبى ودلال عبد العزيز ومحمود حميدة وتأليف أيمن بهجت قمر وإخراج خالد مرعي.
«الفيل الأزرق» 2014
بطولة كريم عبد العزيز ونيللى كريم وهند صبرى وخالد الصاوى وتأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد